العد التنازلي لانسحاب القوات الأمريكية المحتلة للعراق، سينتهي رسميا بنهاية عام 2011م، وهو أمر محسوم على مستوى الإدارة الأمريكية. مع أن المعطيات تؤكد بأن السيناريو القادم، سيكون وفق التداعيات الإستراتيجية، والتكتيكية واسعة النطاق، - سواء - على المستوى الدولي، والإقليمي، والمحلي، والذي سيعتمد الإبقاء على «50000» جندي، ينتشرون في «94» قاعدة عسكرية، و»5» قواعد في شكل مدن عسكرية؛ من أجل التصدي للمخاطر المحتملة ضد المصالح الأمريكية، وإبقاء العراق تحت سيطرتها مستقبلاً؛ خشية عدم استقرار الأوضاع هناك، أو عدم قدرتها على ملء الفراغ بشكل كامل.
إذا تركنا الجوانب التكتيكية في عملية الانسحاب، فإن الآثار الإستراتيجية التي ترسمها مراكز الأبحاث المستقبلية عن آثار ذلك الانسحاب، تتحدث عن عدد من السيناريوهات، وهو ما أشار إليها - الدكتور - محمد مورو في إحدى مقالاته. أحد هذه السيناريوهات: أن تقوم دولة - مثل - إيران باستغلال الفرصة؛ لمللء الفراغ، - خاصة - مع وجود قوى تابعة لها في القطاع الشيعي، والكردي، ومن ثم تحصد إيران مكاسب ضخمة، لم تكن تحلم بها، وكأن القوات الأمريكية جاءت إلى العراق؛ لتموت، وتنفق المليارات؛ من أجل تحقيق أهداف إيران. وتطرح تلك المراكز سيناريوهات - أخرى - أقل سوءًا بالنسبة لقوات المحتل، وهو: أن تتفق مجموعة الدول المحيطة على دعم حكومة المالكي، أو غيرها، والحيلولة دون سيطرة المقاومة على العراق، ولكنه سيناريو محفوف بالمحاذير؛ لأن الأطراف هنا لا تثق في بعضها بعضا - أولاً -، وغير قادرة على تحمل المسؤولية - ثانيًا -. والسيناريو الأخير في هذا الصدد، هو تحول العراق إلى فوضى شاملة، بحيث تتحول إلى مناطق مفرزة لعشرات الجماعات التابعة للقاعدة، أو غير القاعدة، أو للبعث، أو للمليشيات الكردية، والشيعية، بحيث تتمزق العراق إلى «30»، أو «40» كانتونا، ويستحيل إقامة دولة من أي نوع، وهذا - أيضًا - سيحوِّلها إلى مرتع لكل جماعات، وعناصر الإرهاب من كل الأطياف.
إن السؤال الكبير اليوم، هو: كيف أصبحت صورة العراق بعد إنجاز المهمة حسب تعبير الرئيس السابق «بوش»، وبين اللحظة التاريخية التي ينتظرها العراقيون؟. - ولاسيما - وأن المنطقة لا تزال حبلى بأعاصير، وبراكين. وجواب السؤال المطروح، سيجرّنا إلى الحديث عن مصير الوحدة الوطنية بعد تعميق الخلاف بين مكونات المجتمع، وتوزيع صناعة القرار على أكثر من مصدر، في ظل أطروحات تدعو إلى فيدراليات متعددة؛ من أجل تفكيك العراق عن طريق تقسيمه - طائفيا وعرقيا -، وستكون من أكبر المشاكل التي سيعيشها العراق، بعد أن خلفها له الاحتلال الأمريكي.
وإذا كنا في الوقت ذاته، نؤكد على ضرورة حل النزاعات، والخلافات بين الكتل السياسية المكونة للبرلمان، بشكل يقطع الطريق أمام مَن يحاول إفشال التجربة الجديدة في العراق، فإن المطالبة بحقوق التعويض عن الأضرار، التي لحقت بالشعب العراقي حق مشروع، وليكن ذلك على كل الأصعدة - الإعلامية والسياسية -، وأن تُرفع تلك المطالبات في منظمات حقوق الإنسان، - إضافة - إلى محكمة العدل الدولية. فللعراق حق في مطالبته المشروعة، أسوة بما فعله اليهود حين ادّعوا كذبا، وبهتانا على الزعيم الألماني «هتلر»، بقتل، وتعذيب «6» ملايين يهودي أثناء الحرب العالمية الثانية. فأقرت اتفاقية لوكسمبورغ، أو اتفاقية دفع التعويضات الألمانية، والتي تم التوقيع عليها بين الكيان الصهيوني، وجمهورية ألمانيا الاتحادية في سبتمبر 1952م، التزمت ألمانيا - من خلالها - بدفع تعويضات لليهود الناجين من «الهولوكوست»، ولدولة إسرائيل، باعتبارها الدولة التي ترث حقوق الضحايا اليهود، والتي تعتني بتأهيل أغلبية الناجين اليهود. وفي إطار هذه الاتفاقية دفعت جمهورية ألمانيا الاتحادية لدولة إسرائيل ما يقدر بـ»3» مليارات مارك ألماني غربي، في غضون «12» عاما، ما بين عام «1953 و1965». كذلك التزمت حكومة ألمانيا، بدفع معاش شهري لكل يهودي أينما كان، إذا أثبت تعرضه لمطاردة الحكم النازي في أوروبا منذ 1933م، وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية. وقد أقر القانون الدولي «مبدأ التعويضات»، كالتزام ناتج عن ارتكاب دولة «ما»، عملاً غير مشروع إزاء دولة أخرى؛ من أجل إصلاح كامل الضرر، الذي سببه العمل غير المشروع.
drsasq@gmail.com