قالت لي زميلة أنها تتعامل مع سيدة تبيع الطعام من منزلها وأن علامات الثراء تبدو عليها وعلى الأواني التي تستخدمها. تعجبت وأردت أن أرى بنفسي، وفعلاً طلبت هاتفياً منيو غداء كامل لخمسة أشخاص ففوجئت بأن قيمتها 1000 ريال تعيد منها 200 على اعتبارها تأميناً. حددت عاملتها الأجنبية مخرجاً في الدائري الشمالي للاستلام والتسليم، كان سائق المرأة المجهولة المعروفة كالعادة في مجتمعنا بأم فلان يمتطي سيارة فارهة جداً (أطلق من سيارتنا) على رأي ابني!
مثل هذا مريب جداً وهو قد يكون باباً جديداً انفتح لتمويل ما يخشى منه على أمن البلاد، خاصة أن دعوى عمل النساء من المنزل نشطت كثيراً مؤخراً وأعد لها إستراتيجيات ودعم مادي ولوجستي. وقد ينظر لها بحسن ظن كمخرج من اختناقات توظيف النساء، لكنه باب جمع مال وتبرعات تحت غطاء بيع الطعام أو غيره، وهو لا شك مثير للشبهات إن لم يضبط عما هو عليه الآن.
إطلاق بيع الطعام وغيره من المنازل دون الارتباط بمؤسسات تجارية أو دون إشراف الجمعيات الخيرية التي ترعى الأسر المنتجة من المنزل وتتولى دور تسويق منتجات النساء المحتاجات، هو لا شك مصدر مريب لجني الثروة تحت غطاء العوز والحاجة، كما أن ذلك يعرض المواطنين لأخطار التسمم وانتشار الأمراض دون حماية أو محاسبة، لأن هؤلاء النساء وما يروجن له لا يخضع لاشتراطات مؤسسات الدولة، فهو لا يتبع وزارة التجارة ولا وزارة الشؤون الاجتماعية، ولا تطبق عليه جولات صحة البيئة وغيرها، وأمر حماية المواطن موكول إلى الدولة متمثلاً بمؤسساتها، وهي أمانة تسأل عنها هذه المؤسسات. لذا، فالترويج لعمل المرأة وممارستها التجارة من المنزل بعيداً عن إشراف الجهات المختصة دون الحصول على تراخيص والتزام بالاشتراطات وتحديد مكان واضح ومفتوح ومعروف لممارسة العمل يعد مثيراً للقلق، وأتمنى أن تنظر لها كل الجهات المعنية خصوصاً بنك التسليف الذي ينوي إقراض النساء لممارسة التجارة من المنزل، فهل ستشرف عليهن وزارة التجارة، وهل سيدخل موظفو الرقابة الصحية وغيرها بيوتهن ويشرفون على طبيعة أعمالهن؟؟
الغريب أن أولئك الذين يرفضون بيع المرأة في البسطات على كبرسنهن وشدة احتياجهن أو عملهن في بيع مستلزمات النساء الخاصة في محلات لا يدخلها إلا النساء هم الذين يروجون بقوة لمشروع عمل المرأة من منزلها بدعوى حمايتها. نثق بسلامة كثير من المقاصد وإن اختلفنا مع مضامينها، لكن ثمة مقاصد مريبة قد تستثمر مثل هذه الثغرات، فاللهم آمنا في أوطاننا وأدم استقرارنا وارزقنا سلامة القلب ونقاء السريرة.
f.f.alotaibi@hotmail.com