في منتدى الخليج والعالم الذي أقيم في الرياض مؤخراً تحدث سمو الأمير تركي الفيصل عن المستقبل الذي يراه لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، تكلم بلهجة المتيقن عمّا يمكن لدول الخليج أن تفعل لحماية دولها وضمان مستقبلها وأخذ مكانتها بين دول العالم، قال بجزم إن بإمكان هذه الدول أن تقيم كياناً سياسياً واحداً، وأن تكون لها عملتها الواحدة، وأن تقيم صناعات حربية واحدة وصناعات ثقيلة واحدة من صناعة السيارات والبتروكيماويات والطائرات، وأن يكون لها جيش بقيادة عسكرية واحدة، وأن يكون لها مجلس شورى واحد منتخب.
وأن تلج عالم الذرة بكيان واحد لاستخدامها للأغراض السلمية، وأنه إذا لم يستطع المجتمع الدولي من أن يجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية بما في ذلك نزع سلاح إسرائيل النووي ووقف محاولة إيران لصنع القنبلة النووية، فإن على دول الخليج حماية أجيالها القادمة وألا تكون محل لوم منها أن تكتسب المعرفة النووية وتستعد لتصنيعها عسكريا. وذكَّر مجلس التعاون الخليجي بأن اجتماع قمة مجلس التعاون الذي عُقد في التسعينات من القرن الماضي وضع رؤية من هذا القبيل لمستقبل دول مجلس التعاون.
بمفهوم المخالفة كمعيار قانوني، فإن ذلك يعني أن مجلس التعاون في مسيرته خلال ثلاثة عقود لم يقم بما كان يجب أن يقوم به، وأن مستقبله مرهون بارتقائه بكيان وآليّات تتفاعل مع كيمياء العصر.
قال سموّه كلاماً كثيراً عن مستقبل مجلس التعاون الخليجي لم تستطع ذاكرتي أن تحفظ أكثر مما ورد أعلاه، قال كلاماً جريئاً شفافاً واضحاً عن هذا التجمع الذي لم يصل بعد إلى كيان رغم مرور ثلاثة عقود على إنشائه، والذي تهدده التطورات الحديثة في المنطقة العربية والعالم ما لم يتحرك نحو وضع خطة إستراتيجية متكاملة تصنع المستقبل ليس لدول الخليج العربي وحسب بل لكامل الجزيرة العربية، في الاقتصاد والسياسة والاجتماع وحقوق الإنسان، لها ثقلها الفاعل في عالم متحرك متطوِّر، تفعل لا تنفعل فتتجاذبها التيارات الخارجية تفرقها لأغراض تتعارض مع مصلحة شعوبها.
لقد قال ما قال بلغة العارف بالخفايا والخبير المستشرف لمستقبل لا تصونه الوحدة في حاضر لم يتلمس بعد ما جرى ولم يستوعب شروط البقاء في المستقبل.
أتمنى على معالي الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي أن يضم هذه الكلمة إلى جدول أعمال قمة مجلس التعاون القادمة، وأن يقترح على قادتها اعتماد هذه الورقة كخطة عمل ACTION PLAN لمجلس التعاون ضمن جدول زمني محدد ليقوا شعوبهم النوازل ويتبوؤن مقعداً يليق بهم ويستحقونه عن جدارة.
كفاهم استظلالاً بالسيادة الوطنية لإسقاط أي دعوة للوحدة والعمل السياسي والعسكري والاقتصادي المشترك، فالسيادة الوطنية تكون أقوى وأكثر صلابة وتأثيراً عندما تكون سيادة وطنية لكيان سياسي واقتصادي واجتماعي وعسكري موحد.
لقد سبق لي أن دعوت في مفارقة سابقة بتاريخ 14-5-2011م بمناسبة الذكرى الثلاثين لتأسيس مجلس التعاون إلى ترقية هذا التعاون من مجلس مكوّن من عدة دول إلى اتحاد فدرالي يصون ويحمي ويوّحد ويستجيب لتطلعات شعوب الخليج لا باعتبار ذلك ترفاً، بل ضرورة توجبها الأحداث والتاريخ والجغرافيا والسياسية والاقتصاد.
هذه الدعوة لا تزال قائمة، بل أصبحت أكثر إلحاحاً لما حملته السنة الماضية من أحداث خليجية وإقليمية وعالمية.
info@almullalaw.com