هذه القصيدة رثيت بها والدي المغفور له بإذن الله عبدالرحمن العثمان القاضي يوم الأحد الثاني من محرم للعام 1433هـ:
ما بالُ عينيكَ استهلّت دامعة
ويديك ترجُفُ في ابتهالٍ خاشِعَة
أتُراكَ مكلومًا بفقدِ أحبةٍ
هبّت خِفَاف مطيهم متسارعة؟
إيهٍ.. وهل فقدٌ يضارعُ فقدَنَا
ركبٌ تشيّعُه القلوبُ الضارعة
مالت إليه بطرفها في رقة
رقراقة الرمشين ندّت نابعة
فعلاً يُلَوِّحُ في الهجير مودِّعًا
وعَلَت تُلوِّحُ بالأكفِ مُوَادِعة
يا موكبًا يذرو أريجَ عطورِه
شعَّ الفضاءُ له شموسًا ساطعة
صدرُ الرجاءِ يلُمُّه ويضمهُ
بحنانهِ وبراحتيهِ الوادِعه
من كلِّ منفرجٍ يُفَتِقُّ بابه
سِكَكًا تَفَسَّحُ عن دروبٍ واسِعة
حفَّتْهُ من كل الجُنُوبِ ملائكٌ
وغَدَتْ حثيثًا في المعارجِ ذارِعه
ترنو له الدعوات تصحبُ حشدَهُ
لتنال سبقاً في الشهادة شافعة
وقفلت أذكره ويشجي خاطري
نوحُ الحمائم والطيور الساجعه
والنّسمُ حين يرِفُّ حولي عاطِفًا
والمِسْكُ ضوَّعَ بالطيوبِ الرائعة
فأراهُ أينَ نظرتُ مبتسمًا لنا
وكأنَّ منهُ الروحُ عادت راجعة
وأراهُ وهو يمُدُّ مشيتَهُ إلى
قبب المساجد والصفوف الراكعة
وأراهُ وهو يحثُّنا ويحضُّنا
بالجارِ ثم الجار حتى السابعة
يا والدي يانبعَ كل جميلة
جاءت خصالك للمكارم جامعة
يا والدي ومعلمي ومهذبي
سالت تلاعك بالعلوم النافعة
يا من بذرت الخير في أحواضه
وسقيته ونخيله ومزارعه
أنت الوصول لمن يقطِّعُ وصلَهُ
أنت القبولُ لمن أصَمَّ مسامعه
أنت السَؤول لمن تناهى بُعْدُه
أنت العَقول إذا استشاطت واقِعَه
أنت الذي نذرَ الحياة جميعها
لظعينة أو عائل أو جائعة
متكفلَ الأيتام مَنْ يسعى على
حاجاتهم إن غيّبتك الفاجعة؟
كفكفتُ دمعي من أليمِ شِكَايتي
ولثمتُ خدَّك والجبينَ الناصعَة
ومسحتُ ناصيةَ السَّمُّوِ براحتي
فلطالما كانت شَمُوخًا فارعة
إن وُسِّد الجسدُ الطهورُ ترابَه
فهو الحريُّ بغفوِ عينٍ وادعة
أوضُمَّ في اللَّحدِ المُعفَّرِ بالدُّعَا
فلُه الرجاءُ بروضِ أرضٍ شاسِعة
أودعتك الله الذي رَامَت لهُ
جُنُبٌ تَجَافى في المضاجع طامعه
ووكلْتُ أمركَ للرَّحِيم فإنَّهُ
نِعْمَ الوكيلُ لكل نفس هالِعة