قال لي صديقي الهلالي: إنه لم يعد يستطعم ويستلذ بفوز معشوقه الهلال على غريمه النصر.. قلت لماذا؟ قال لأن المذاق والطعم اللذة تكمن في الندرة وهذا قانوني اقتصادي معروف لكن فوز الهلال على النصر لم يعد نادراً ولم يعد صعباً ولم يعد قليلاً ولم يعد متقطعاً بل هو فوز سهل وكثير ومستمر ولهذا لم نعد نتشوق نحن الجمهور لهذا الفوز بعد أن صارت المنافسة بين الفريقين خارج المدار وتحولت المنافسة منذ أمد طويل تجاه الاتحاد غالباً، والشباب أحياناً سواء في عدد مرات الفوز أو في كون التنافس على المنصات منحصر بين هذه الفرق الثلاثة.
قلت لصديقي معك حق.. ولعل التفات النصراويين لحل مشاكلهم جدير بإعادة عجلة التنافس وبالتالي طعم اللذة المفقود حتى ولو بعد حين. وأردفت مواصلاً حديثي: إن النصراويين إدارة ومشجعين وإعلاميين لا زالوا يتمسكون بالندية والتنافس مع جارهم ومنافسهم التقليدي - أيام زمان - الهلال لكن ذلك مجرد جعجعة وطربقة وصفق هواء.. وتمسك بليد بما مضى..ونوم في العسل وتوسد للخدر على وقع الماضي وإلا فإن الوقائع -أقصد- وقائع المنازلات منذ سنوات عديدة كلها فوز لصالح الهلال.. ليس هذا فحسب بل إن واقع التنافس منتفٍ ومنتهٍ بين الفريقين ذلك أن أحدهما يحقق في كل موسم بطولة أو بطولتين والآخر لم يصعد المنصة ولم يحقق بطولة كبرى منذ أن ولد لصديقي النصراوي ابنه البكر ماجد الذي تجاوز مرحلة المهد والفطام ثم دخل المدرسة الابتدائية واستمر ستة أعوام بلياليها لينتقل بعدها للمرحلة المتوسطة مستمراً في الكد والمد ثلاث سنوات ليتحول منها صاعداً للمرحلة الثانوية أكثر من خمسة عشر عاما كابدها ماجد مجاملاً ومتحاملاً على نفسه مشجعاً للنصر اقتفاء لأثر أبيه لكنه خلال دراسته الابتدائية وما تلاها خلال الإعدادية كان يخسر الرهان والتحدي أمام زملائه وأصدقائه الهلاليين في المدرسة أو خارج مدرسته لكنه كان يتحامل مصانعة لوالده.
يقول أبوماجد: إن ابنه قد شب في الثانوية وخرج عن طوق المتابعة الأبوية وبعدما كان يتابع معي منافسات المسابقات الكروية المحلية عبر التلفزيون صار يذهب مع رفقته وشلته لمشاهدة المباريات في الملعب. يوماً بعد الآخر اكتشف أبوماجد أن ابنه يحتفظ في غرفته بالشالات الزرقاء يقول: عندما فاتحته في حقيقة ميوله فتح لي ملف الصور في جواله والذي كان ممتلئاً بصوره مع ياسر والشلهوب ورادوي ونيفيز.. يضيف أبوماجد: إنه لم يؤنب ابنه على هذا التحول فهذا نتيجة طبيعية لفريق يحرز بطولة معتبرة خلال عقدين من الزمن على حين تمتلئ خزائن الفريق الآخر بالبطولات طولاً وعرضاً.
ويقول أبوماجد: إنه سعيد بأن ماجد يجد السعادة التي افتقدها. ثم يضيف صديقي النصراوي: إن تحولات ابني العاطفية قد جعلتني على الحياد أو قل إنني أنحاز إلى حد ما للهلال انسجاماً مع رغبة ابني لكنني لا زلت اتطلع لفوز النصر في مباريات الديربي أما تحقيق البطولات فيبدو أنه لا زال أملاً بعيد المنال!!
ما هي النتيجة المأمولة من هذه الحكاية؟
- إنها دعوة صريحة للنصراويين إدارة وإعلاماً أن يتخلصوا من هاجس مطاردة الهلال ومناكفته من خلال الحضور الإعلامي عبر ضوضاء الاحتجاجات والتعليقات فهذا لا يغني جمهور الأصفر كأسا ولا يسمنهم من جوع البطولات وعلى النصراويين أن يبدأوا من الصفر من خلال وضع خطة طويلة المدى تصعد بالأهداف تدريجياً للخروج من دائرة أندية الوسط.. وصولاً إلى أندية مقدمة الوسط.. ثم من بعدها وصولاً إلى دائرة أندية المقدمة ثم الترسخ في هذه المرحلة أملاً في الوصول إلى حالة التفرد ومنازعة البطولة وحيازتها مرة والمركز الثاني مرة والثالث أخرى والمراوحة بين مراكز المقدمة ليدخل النصر تحت تصنيف أندية المقدمة أو فرق البطولة كما هو الحال حالياً مع الهلال ثم الاتحاد ثم الشباب وإلى حد ما بدأ يدخل المسار فريقا الأهلي ومن ثم الاتفاق.
إن مطاردة النصر للهلال إعلامياً وإدارياً وتأليب الغير ضده ليس له هدف إلا البقاء في دائرة الضوء بلا بطولة وهذا في حد ذاته يماثل الفرحة التي يحققها أنصار القادسية مثلاً في حال فوزهم على الهلال الذي لا يعني فوزهم ببطولة لكن مجرد فوزهم على الهلال هو بطولة في نظرهم والوضع برمته ينطبق على النصراويين الذين يرسمون حضورهم ويسكبون عرق جهدهم للفوز ببطولة الفوز في مباراة الديربي على الهلال وهذا بلا شك لا يرضي صديقي النصراوي الذي يتطلع -صحيح- للفوز بلقاء الديربي المعتاد لكنه يطمح ولو - يأساً - للفوز ببطولة عليها القيمة كما أن هذا الوضع لا يرضي صديقي الهلالي الذي يتمنى عودة التنافس القديم والذي يجلله الغبار منذ أمد طويل ليكون لمباراة الديربي لذة وطعم ومذاق لا يشبه لذة وطعم ومذاق الفوز من طرف واحد.