|
هناك أفراد تشعر بمحبة خالصة نحوهم، لهم جاذبية خاصة، وهي جاذبية معتمدة على شخصيتهم التي تأسر الإنسان، وهي شخصية في الغالب، تتسم بالأمانة، والخلق الرفيع.
وعندما تفقد إنساناً كهذا، تشعر بخسارة كبيرة، ليس فقط على المستوى الشخصي، بل على مستوى العمل. ومما يزيد الأمر حزناً، الإدراك أن الفاجعة تتعدى المستوى الشخصي، ومستوى العمل، لتكون أكثر عمقاً وتأثيرا على مستوى العائلة، لهذا الرجل الرائع.
ففي الصباح الباكر من يوم الأربعاء 13-12-2011م، حيث كنت في فيينا، ضمن وفد المملكة للمؤتمر الوزاري لأوبك، جاء النبأ محزناً وفاجعاً أصاب أعضاء الوفد السعودي.
حينما بلغنا نبأ وفاة المهندس زياد الزهراني، المستشار بوزارة البترول والثروة المعدنية الذي كان في مهمة عمل في بريطانيا حيث أصابته سكتة قلبية مفاجئة وهو على سريره في الفندق. وقد لمحت صدمة الفاجعة على ملامح معالي وزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي النعيمي، بل كانت الصدمة واضحة على وجوه جميع أعضاء الوفد السعودي المشارك في اجتماع الأوبك في فيينا، حتى على بعض أعضاء الوفود العربية ممن لهم معرفة شخصية وعملية مع المهندس زياد. ولقد عمل الأمير عبد العزيز بن سلمان بأريحية منقطعة النظير من أجل تذليل جميع العقبات البيروقراطية، ونقل جثمانه بأسرع وقت ممكن من لندن إلى الرياض، وساهم في دفن جثمانه يوم الجمعة، وهو يوم مبارك - بإذن الله -، كما أن وصول الجثمان بسرعة خفف من معاناة الانتظار لأهله وذويه.
وبالنسبة لي شخصياً كانت فاجعة كبيرة، فهو زميل عمل، صديق، وإنسان محترم، وكان المفترض أن يجتمع مع بعض الزملاء الآخرين، خلال هذا الأسبوع للتحضير لافتتاح المعهد التقني لخدمات البترول في الدمام، وهو المعهد التقني المتميز، الذي كان للمهندس زياد الزهراني دور رئيس في إنشائه وتميّزه. ومما ضاعف من صدمتي العلاقة الخاصة والمتميزة التي تجمعنا مع الدكتور/ أحمد محمد عبوش الغامدي، الصديق الخاص القريب لزياد.
والمهندس زياد الزهراني، من الأشخاص المتميزين، الذي يعملون بصمت وإخلاص، وتفان كبير، ليس فقط لمصلحة الجهة الحكومية التي يعمل فيها، بل لمصلحة الوطن ككل بدون ظهور إعلامي، أو حتى مكافآت مادية أو معنوية مباشرة أو غير مباشرة، إن هؤلاء يعملون من منطق شخصي داخلي، إنساني، ووطني. كان الراحل من رموز هذا النوع المتميز من العاملين في القطاع العام.
لقد بدأ المهندس زياد في العمل في المؤسسة العامة للبترول والثروة المعدنية (بترومين) في السبعينات، ثم تدرج في عمله في بترومين حتى أصبح مديراً لشؤون المشاريع، وبعد ذلك في الوزارة، عندما تم إلغاء بترومين، وتم ضم عدد من أفضل العاملين فيها للوزارة. وفي وزارة البترول والثروة المعدنية، قام بعدة مسؤوليات هامة وكبيرة لعل من أهمها.. وكيلاً مساعداً لشؤون الشركات ثم مستشاراً للبترول بالمرتبة الخامسة عشر.
لقد حظي رحمه الله، باحترام وتقدير كبير في وزارة البترول والثروة المعدنية، وفي الجهات الحكومية التي كان له ارتباط بها، والجهات العربية، التي يشارك في لجانها ومؤسساتها، وهو احترام قلَّ أن تجد له نظيرا. ومن سوء حظي، أنني لا أعرف عائلته إلا بشكل بسيط، ومن خلال اجتماعات قليلة، وبالذات في شهر رمضان حيث تعودنا الإفطار في بيته بمشاركة معالي المهندس علي النعيمي، إلا أني أعرف أنه كان عماد الأسرة، وموقع احترام ومحبة عائلية منقطعة النظير، وكان اهتمامه بوالده الشيخ حمود الزهراني اهتماماً متميزا، وبالذات بعد وفاة والدته رحمها الله منذ سنتين، وكان دائم الحديث، في جلساتنا الخاصة، عن إخوته وأولاده، وأقاربه الآخرين، وحتى أصدقائه، بروح متفائلة، وإعطاء المثال الجيد، والتفهم، والانفتاح، والعمل الدائم والدؤوب على نجاحهم.
لقد فجعت عائلته بفقدانه، كما فجع أصدقاؤه وزملاؤه بشكل مماثل، إلا أنني أعتقد أن وزارة البترول والثروة المعدنية، وكذلك بعض المؤسسات الحكومية السعودية والعربية التي كان المهندس زياد على علاقة عمل بها، فقدت إنساناً ومسؤولاً معطاءً، وأميناً، صادقاً، ومخلصاً، يعمل بمرونة وبعيداً عن الأضواء، وكم هو رائع أن تقوم الدولة، بعمل مشروع مستمر ودائم، يذكرنا دائماً، ويذكر أولاده وذريته والأجيال القادمة، أن الأشخاص الذي يعملون بتفانٍ وإخلاص من أجل دولتهم وبلدهم، يحظون بالتكريم الذي يستحقونه، والذكرى الطيبة التي تبرز الأشخاص المتميزين المخلصين مثل المهندس زياد الزهراني.
رحمك الله يا أبا طارق وأعان الله أباك، وزوجتك، وأبناءك، وإخوتك، وألهمهم وجميع أصدقائك ومحبيك الصبر والسلوان.
وأقولها من صميم قلبي، إن أصدقاءك وزملاءك، في وزارة البترول والثروة المعدنية وفي خارجها، أصابتهم من المصيبة والحزن، ما أصاب عائلتك الأقربون، ولن ننساك ما عشنا لطيب معشرك ودماثة أخلاقك، وسعة صدرك، وأبناؤك هم إخوتنا في السَّراء والضَّراء. إنا لله وإنا إليه راجعون .
(*) مستشار وزير البترول والثروة المعدنية