تشكلت مفردة الإصلاح لدى المشاركين والمشاركات في لقاء الخطاب الثقافي الرابع «الإصلاح والتطوير في المجتمع السعودي» الذي عُقد بمدينة الرياض خلال الفترة الماضية، بشكل إيجابي حيث تباينت الرؤى والأفكار حول هذا المفهوم، إلا أن الأغلبية اتفقوا على أنه مصطلح يعني «التغيير» نحو الأفضل، ومفهوم الإصلاح هو مفهوم واسعٌ وكبيرٌ وهو مفهوم قديم ورد ذكره في القرآن الكريم عدة مرات كقوله تعالى: إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (سورة هود آية 88)، وهذا المفهوم هو مطلب أساسي للمجتمعات بمختلف أشكالها وألوانها حيث هم بحاجة إليه على جميع المستويات.
والإصلاح في وطننا بدأ منذ بداية تأسيس هذه الدولة المباركة على يد الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - حيث أدخل الملك عبدالعزيز إصلاحات كثيرة على المجتمع آنذاك على الرغم من - مقاومة التغيير - التي كانت موجودة في ذلك الوقت، إلا أنه - رحمه الله - تمكن من تطوير المجتمع شيئاً فشيئاً والقصص كثيرة التي تبرهن على عزم وإرادة الملك عبدالعزيز آنذاك بالسير في عملية الإصلاح ومنها: قصة دخول الهاتف، والسيارات، وبعض المخترعات الجديدة، كل هذه الأعمال كانت تُقابل بالمقاومة والرفض، إلا أن الملك عبدالعزيز تمكن من تخطي هذه العقبات وفرضها على المجتمع، حتى أصبحت تلك المتغيرات جزءاً لا يتجزأ من ثقافة المجتمع وسار على نهجه من بعده أبناؤه الملوك في مسيرة الإصلاح والتطوير.
ربما تباطأت عملية الإصلاح فترة من الزمن بسبب بعض العقبات التي واجهت البلاد في تلك العهود السابقة لدولتنا، سواء كانت عقبات اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، أو لظروف أخرى.
ولكن في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله - حفظه الله - سارت عملية الإصلاح بشكل سريع من خلال ما قدمه الملك لشعبه من إصلاحات كثيرة على مستوى التعليم العالي والشأن المالي، والقضائي والاجتماعي وإنشاء هيئة مستقلة تكافح الفساد، فنحن نسير الآن نحو الإصلاح بشكل جيد.
ومن وجهة نظري فإن الإصلاح يشكل هاجس كل فرد من أفراد المجتمع؛ بل هو شرط للعبور نحو المستقبل وتلتقي حوله الإرادة الرسمية والمجتمعية لأن المتغيرات العالمية وتطور الاتصالات المعلوماتية (الإعلام الجديد) جعلت شعوب العالم قريبة من بعضها، ومن ثمَّ أصبح العالم قرية صغيرة واحدة، وكل فرد يعرف ما يدور في تلك البقاع من الأرض ويشاهد الإصلاحات والتطورات السريعة التي تتم في تلك البلدان، لذا تجد أن الجميع أصبح يطالب بالإصلاح والتطوير بكل شفافية، وبأساليب حوارية جميلة عبر شبكة الإعلام الجديد.
وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير نايف بن عبدالعزيز - حفظهما الله - لهما دور كبير في دعم النخب والمجتمع بمختلف التوجهات الفكرية بالمساهمة كشريك في عملية الإصلاح والتطوير، إلا أنه لا يمكن لأي طرف بأن يزعم بأنه يملك الرؤية الحقيقية والوحيدة للإصلاح.
لدينا فرص كثيرة لإكمال مسيرة الإصلاح عبر أجهزة حكومية وتعليمية مختلفة، فهذه المؤسسات التعليمية وخصوصاً الجامعات السعودية تقع عليها مسؤولية كبيرة في عملية الإصلاح من خلال إجراء البحوث والدراسات الاستطلاعية لقياس الرأي العام للمجتمع حسب تنوعه الفكري والمذهبي، ومن خلال تلك الدراسات نستطيع أن نحدد رغباتنا وقدراتنا نحو الإصلاح، وكذلك نستطيع أن نحدد المعوقات والتحديات التي قد تواجه عملية الإصلاح في المجتمع من خلال إرادته في الإصلاح، فالدراسات الاستطلاعية لها جانب مهم في قياس الرأي العام لفكرة الإصلاح والتطوير، فإذا ما تم تكاتف الجهود من خلال مراكز البحوث والدراسات بتلك الجامعات وإجراء الدراسات الميدانية المتنوعة والمستمرة فإننا سوف نختصر الطريق كثيراً نحو عملية الإصلاح.
وما تم طرحه على منبر الحوار الوطني في الأيام السابقة عن عملية الإصلاح والتطوير إنما كان طرحاً ينم عن وعيٍ فكريٍ وثقافي اتّصف به أغلب المشاركين والمشاركات، حيث اتسم الطرح بالشفافية والمصداقية من خلال المداخلات وعرض الأفكار مما نتج من ذلك تنوع في الأفكار والرؤى الكثيرة التي تم رصدها من قبل المسؤولين في مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني للاستفادة منها في صياغة وثيقة عن الإصلاح والتطوير.
ختاماً علينا أن نتذكر أن شرط الإصلاح هو بناء موقف وطني بين النخب والمجتمع لتعضيد موقف الدولة وجهودها في دعم مسيرة الإصلاح وتقويمها.