يداها ترتجفان بصعوبة بالغة بالكاد تتحرك كأنها، تخرج بعض أصابعها من حفرة قبر مبعوث، تنظر خلسة من ثقب الباب الخشبي مراوحة بين عينيها علها تراه ! السواد يغطي المكان، لملمت بقايا قميصها الممزّق وشعرها المجعَد وتقاطرت دمعاتها من على وجنتيها الواهنتين، عاودت النظر مرة أخرى دون فائدة! أخذت مشباك شعرها الحديدي وغرزته في ثقب الباب فسقط ذلك السواد اللعين، وهنا تحركت مشاعرها تمنّت لعينيها قدرة التحرك خارج هذا الباب، مستكشفة عن سر سكون أطفالها بعد معركة طاحنة غير عادلة بينها وبين زوجها الهائج، وفجأة عاد ذاك السواد الذي كاد يفقع عينها، فهربت بسرعة والخوف يتملّكها من مشاش رأسها إلى أخمص قدميها، وسياط البرد يخطَ في تقاسيم بقايا امرأة، وفيما هي كذلك نفذ صوت بالكاد تسمعه كأنه من قعر جبٍ أو أغنية فلم مرعب، لكن لا تعرف لِمَ هذه الحميمية، عندما سمعت ذلك الصوت حاولت عبثا تهدئة ما أرتعد من فرائصها، اقتربت أكثر من الباب رويداً رويداً، فإذا أنشودة ماما تغازل أذنيها
- أين أنت لقد ذهب أبي ؟!
- حبيبي لا تبكي اهدأ وأخبرني عن الرضيع وهمس هل هما بخير ؟
- بسرعة ماما أبي ألقى النونو تحت السرير،
هنا جنّ جنونها وبدأت تدور في مكانها تدعو ربها الخلاص من هذا القهر والظلم حتى سقطت، ولم ينقذها سوى حبلٍ تدلّى فأمسكت به فأحدث جلبة مع صوت خرير ماء أفزع الطفل وبدأ يصرخ:
- ماذا حدث يا ماما ؟
- اطمئن يا بني اسمع هل ترى يا حبيبي مفتاحا ً- نعم إنه هنا ولكن ماذا أفعل به ؟
- احمله وضعه برفق في ثقب الباب هل تسمعني
- ماما أرجوك إني خائف لا تصرخي في وجهي هكذا
- حسناً يا حبيبي إني خائفة على «النونو» أسرع أرجوك يا الله ساعدنا !
التقط هذا الطفل الشجاع المفتاح وغرزه لكنه سقط محدثاً صوتاً زاد من قلق الأم التي لا حول لها ولا قوة
- لا تخف يا حبيبي احمله مرة أخرى
- لكننني يا ماما خائف من مجيء أبي
- لا تقلق الله معنا
حمل الطفل المفتاح مرة ثانية والخوف دبَ فيه كدبيب نملٍ رأى قطعة خبزٍ، وحاول هذه المرة فتح الباب وأمه تساعده بكلماتها حتى فُتِح بأعجوبة مع دهشتها من اختفاء صوت ابنها .. فوجدت باباً آخر من الصعب فتحه !