حدثني من أثق بحديثه أنه ظل يعاني من التنقل من منزل مستأجر لآخر بحثاً عن الراحة والاستقرار، لكن عدم توفر الخدمات والمرافق وانعدام الصرف الصحي مما تسبب في كثرة الحفر والمستنقعات وتكاثر الحشرات التي تخلفها الأمطار.. اضطره لتغيير المنزل لأكثر من مرة.. ويتابع صديقي حديثه قائلاً : ذات عشية قررت البحث عن مكان أفضل للسكن بعد أن أقنعتني زوجتي بضرورة زيادة مبلغ الإيجار للحصول على منزل مناسب في حي مناسب.
وبالفعل بدأت بالبحث الذي استمر قرابة الشهر تجولت خلاله بين أحياء كثيرة منها ما هو «للفرجة فقط» وبعضها «ممنوع الاقتراب منه» وبعض الآخر «ممنوع من النظر إليه» لدرجة أنني شعرت أن سيارتي المتواضعة لا يحق لها أن تسير في بعض هذه الأحياء فصرت أصبر نفسي بمقولة «اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة» وأخيراً اهتديت إلى حي جميل ولفتت نظري لوحة «شقق للإيجار» على إحدى العمائر الكبيرة فتوقفت عند مكتب المشرف على العمارة الذي رحب بي بحفاوة قائلاً: (أهلاً يا فندم، تفضل سعادتك ) فسألته عن الشقق قال: هي للعوائل بس! قلت: نعم عوائل!! فابتسم وأخرج عدة مفاتيح ودعاني لجولة على الشقق المتوفرة حتى وجدت بغيتي بينها وسألته عن إيجارها فهالني المبلغ المطلوب إلا إنني ابتلعت ريقي وقلت: لماذا؟ فقال: يا باشا العمارة مجهزة من مجاميعه، المجاري والهاتف والمية الحلوة والتكييف المركزي وكمان مصعد فل على عشرة، وبعدين بص سعادتك حتشوف قدام العمارة جنينة «والجنينة التي يقصدها حديقة عامة طبعاً».
ثم قال لي ممازحاً (شوف يا باشا الفيلا اللي بجنبنا متعرفش لمين) قلت متعجباً: لمين؟ قال (لفلان الفلاني) ومجاورة سعادته تساوي نص الأجرة، هنا هززت رأسي متذكراً مقولة ( جاور السعيد تسعد) والتي ترددها الوالدة أطال الله في عمرها كثيراً.. فوافقت بلا تردد ودفعت المبلغ المطلوب.
و يستطرد محدثي قائلاً في أول يوم لي في السكن الجديد جاءني المشرف ليعرض خدماته وقدم لي بطاقة مطعم للطلبات المنزلية فطلبت منه إلا أنه بمجرد أنه عرف المنطقة والعمارة واكتفى بالسؤال عن رقم الشقة ووصلني الطلب خلال نصف ساعة، وبعد أيام سألت المشرف عن (اسم صاحب المطعم الذي راق لي فقال لي، (المطعم والعمارة للباشا)..
قلت: أي باشا؟! قال: الباشا جارنا وخلاص ما توديناش في داهية، وكل حاجة ألسطة.. أيتها خدمة يا باشا!!) .
وهنا أجابه صديقي الظريف: هذا باشا وأنا باشا.. يا راجل ده أنا حتى (بيه) تخب علي!!
نقطة أخيرة:
رغم المساحات الشاسعة للصحراء في بلادنا والأراضي البيضاء التي تتوسط مدننا إلا أننا لا زلنا نعاني من أزمة سكن، فهل ننتظر مبادرة كتلك التي أطلقها الأخ عبد الله الغذامي؟! أم ننتظر البشوات حتى يحولوها إلى فلل وعمارات؟!!!