كان مما أشير في الحلقة السابقة مساندة وطننا العزيز، قيادة وشعباً، للثورة الجزائرية المجيدة. ولما نالت الجزائر استقلالها عام 1963م، أي قبل خمسين عاماً، كتبت قصيدة عنوانها (مذكرات ثائر جزائري)، قائلاً:
ذات مرّه
كانت الأرض التي أحيا عليها
وأروِّي من شذاها
قلبي المفعم أشواقاً إليها
وهياماً بثراها
غير حُرَّه
في حماها
كان يختال عدوُّ الشعب تيها
مستبداً فوق أرضي
يزرع الإرهاب والتخريب فيها
طاغياً.. في هتك عرضي
يتباهى
كان حظي
مثلما عانته آلاف الجموعْ
من جراحات وظلم
واعتقالات وآلامٍ وجوعْ
وعلى دفّة حكمي
يدُ فظِّ
غير أنا
قد أقمنا من جراح الشعب ثوره
وأسلنا من دمانا
أنهراً تستهدف الطاغي وجوره
وهدى النور خطانا
فانتصرنا
وكان مما أشير إليه، أيضاً، في الحلقة السابقة من هذه المقالة بعض ما اشتملت عليه محاضرتي عن (العلاقات بين الجزائر والمملكة العربية السعودية)، وذلك في المؤتمر الخليجي المغاربي الخامس، الذي تذكر، فتشكر، دارة الملك عبدالعزيز بريادتها في إقامته، والذي عقد في رحاب جامعة تلمسان بالتعاون مع وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في الجزائر.
وقد تمت الجلسات العلمية للمؤتمر في يومي الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من شهر نوفمبر الماضي، متضمنة سبع جلسات، وتناولت أكثر الجلسات العلاقات العلمية والثقافية بين دول مجلس التعاون الخليجية والدول المغاربية، وبخاصة مجال الدراسات العليا واتسمت الأوراق المقدمة، والنقاشات التي دارت حولها - على العموم- بجودة العرض وحسن تبادل الآراء.
وكان من كرم الداعين إلى حضور المؤتمر في رحاب جامعة تلمسان غير المستغرب عليهم أنهم أسكنوا المدعوين في فندق جديد جميل فوق مرتفع يطل على المدينة ويمكن الصعود إليه والنزول منه إلى وسطها عن طريق تليفريك مريح.
وكانت أخلاق العاملين فيه غاية في التهذيب. وكان من لطف الداعين أن أختتم المؤتمر بمأدبة عشاء أقامها مدير الجامعة يف أحد مطاعم المدينة المشهورة، فكانت بهيجة مبهجة للجميع، وانتهت بإهداء هدايا جميلة تذكارية.
ومدينة تلمسان محميّة من الجنوب بهضبة صخرية مطلة على سهول وتلال مختلفة الارتفاع وموقعها استراتيجي أتاح لها أن تراقب محاور الطرق التجارية بين المشرق والمغرب، ومكنها من الانفتاح على مختلف التيارات الحضارية والفكرية.
وتاريخها حافل بالحوادث والأمجاد. على أن فترة تاريخها المزدهرة -قبل الفترة المعاصرة- بدأت عندما اكتست حُلّة الإسلام. واتضحت معالم مجدها أكثر فأكثر عندما أقام يوسف بن تاشفين معسكره في غربيها، ثم أصبحت عاصمة المغرب الأوسط لأكثر من ثلاثة قرون. وازدادت عظمتها في عهد دولة بني عبدالود، التي امتدت من 633 هـ إلى سنة 796هـ. ومن أروع العمائر التي تدل على تلك العظمة مبانيها ذات النمط المعماري الأندلسي المغربي، مثل المسجد الكبير، الذي بناه المرابطون في القرن السادس الهجري، والذي هو آية في الجمال، ومجمع سيدي بومدين، الذي يضم -فيما يضم من آثار القرن الثامن الهجري- قصراً ومدرسة وحماما.
وما دام تاريخ تلمسان بتلك العظمة، وموقعها بالمكانة التي يحتلها، فإنه لم يكن غريباً أن تجلى حاضرها بما يتجلى به من ازدهار، ولعل من الأدلة على هذا وكاتب هذه السطور أكثر ما ترتاح إليه نفسه ما يتصل بالمؤسسات العلمية- ما تتسم به جامعة تلمسان من روعة التصميم المعماري، ورحابة الأمكنة والفضاءات. وتعد هذه الجامعة في طليعة الجامعات الجزائرية المتدفقة حيوية ونشاطاً في مختلف فروع المعرفة.
وإذا كان الشيء بالشي يذكر- كما يقول المثل المشهور- فإني ما زلت أذكر أني دعيت قبل ثلاثين عاماً تقريباً من قبل جامعة الأمير عبدالقادر في قسطنطينة لإلقاء محاضرات مدة ثلاثة أسابيع، أو أسبوعين في الأقل عن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وتاريخ أنصاره. وحينذاك كان يُدرّس في تلك الجامعة الشيخ محمد الغزالي، رحمه الله، والشيخ يوسف القرضاوي، لكن ظروف تدريسي في جامعة الملك سعود حالت دون ما كنت مشتاقاً إليه. ومثل تلك الدعوة دعوة أخرى كنت تلقيتها من جامعة سانت بطرس ببرج الروسية، وذلك نتيجة لقائي بأساتذة من هناك في المؤتمر العالمي عن الملك عبدالعزيز، رحمه الله الذي عقد في الرياض. وكنت على وشك الذهاب إلى هناك عندما اندلعت ثورة الشيشان ضد الحكومية الروسية، فأصبح الجو غير ملائم بالنسبة للداعين وغير مناسب نفسياً بالنسبة إلي.
أما بعد:
فإضافة إلى كرم الضيافة الذي لقيه المشاركون والمشاركات في المؤتمر الخامس الخليجي المغاربي في تلمسان من قبل الداعين الكرام هناك فإن من الجدير إسداء الشكر والثناء لدارة الملك عبدالعزيز- وعلى رأسها معالي الدكتور فهد السماري- على تهيئة الطريق إلى المؤتمر، وإبداء التقدير والاحترام لسفارة المملكة العربية السعودية في الجزائر والملحقية الثقافية هناك على ما شمل المسؤولون فيهما به أبناء وطنهم وبناته من المشاركين والمشاركات في ذلك المؤتمر من حفاوة ونبل معاملة.