|
في خلال الألعاب الأولمبية الصيفية للعام 2008، بهرت الصين العالم بملاعبها الرياضية الفاخرة وإطلالات مُجَدَّدة لمدنها. وفي حين عانى كل من الولايات المتحدة وأوروبا الأمرّيْن جراء الأزمات الاقتصادية منذ عدة سنوات، أقنعت معدلات النمو الاقتصادي الاستثنائية في الصين الكثيرين بأنّ المسألة مسألة وقت قبل أن تتربع الدولة على عرش الاقتصاد العالمي. بيد أنّ هناك أسباباً عديدة للتشكيك بهذا الأمر. وأشار النقاد في هذا الصدّد إلى أن عدم المساواة على مستوى الدخل في الصين والنازحين الفقراء إلى المدن والفساد السياسي هي أسبابٌ للتشكيك في قدرة الصين على الحفاظ على نموها السريع. وفي غالب الأحيان لا تتطرّق مناقشة المسألة إلى واقع العوامل المتراكمة ضدّ أصحاب المشاريع الجديدة الصينيين. فالسوق المحتمل بالنسبة إلى أصحاب المشاريع الجديدة الصينيين ضخم. وقد تخلّى ملايين الصينيين عن عمليات شراء معينة نظراً إلى كلفتها وإمكانية الوصول إليها ومدى ملاءمتها، كما أنه قد يرغب ملايين من المبتكرين الصينيين بملء السوق بمنتجات أصغر حجماً وأقلّ ثمناً وأكثر ملاءمةً لا ترقى لتوقعات أداء السوق الأساسي. ولكن قبل أن يحصل ذلك، على الصين أن تتخطى العديد من العقبات، أولها قيمة اليوان. فصحيحٌ أنّ الصين قد تسمح لعملتها بالارتفاع من أجل التخفيف من مدى اعتمادها على الدولار، إلا أنّ هذا الأمر قد يلحق ضرراً بالصادرات، كما قد يتسبب بعمليات صرف واسعة النطاق واضطرابات اجتماعية. أما التحدي الثاني، فيكمن في الإقراض. وعلى الرغم من تصريح الصين مؤخراً عن خفضها معدلات متطلبات الاحتياطي المصرفي بواقع 0.5 نقطة مئوية، لا تزال هذه الأخيرة مرتفعة بشكل قياسي. كما تلعب سياسات مكافحة التضخم في الصين دوراً في خفض حجم القروض الممنوحة لأصحاب المشاريع الجديدة. وفي حين أن المخاوف تنحسر إزاء التضخم، إلا أن تحفيزاً محدوداً لن يكون له تأثير كبير في ثني المصارف عن منح الشركات الكبرى والمدعومة من قبل الحكومة المزيد من القروض.
وبدورها، تشكّل هذه الشركات الكبرى والمدعومة من قبل الحكومة عائقاً آخراً، فقد منحت الحكومة العديد منها معدلات فائدة محدودة وشروط ملائمة للإقراض. وكون هذا النوع من الشركات قد تم تأسيسه لاستحداث الوظائف، لا زيادة الأرباح، فهي غير مُحفَّزة لقلب نظامها.
وفي وقتٍ قريبٍ، ستتباطأ وتيرة النمو في الصين مع انتهاء مرحلة التنمية الاقتصادية «السهلة». ومع أنّ احتضان بيئةٍ تشجّع على قلب الأنظمة السائدة هو الوصفة الناجعة للنمو المستمر، فقد اختارت الصين بدلاً من ذلك اللجوء إلى مقاربةٍ قصيرة النظر على حساب أصحاب المشاريع الجديدة الأفراد. وفي الختام، يُشار إلى أنّ اعتماد الابتكار الذي يقلب النظام في الولايات المتحدة قد ألحق ربما الضرر بأشخاص معدودين، إلا أنه عاد بالفائدة على آخرين كثيرين. أما في الصين حيث الرأسمالية التي تسيطر عليها السلطات العليا، فقد أفادت البعض وأضرّت بعديدين آخرين. وغياب مثل هذا الابتكار الذي يقلب النظام السائد بالتالي هو الذي يخنق كل احتمال لنمو الصين في المستقبل، كما أنّ مستقبل إمكانية النمو هذه سيعتمد إلى حد كبير على ما إذا كانت الصين ستقمع أصحاب المشاريع الجديدة المحتملين فيها أو تطلق العنان لهم.
(دوغلاس هيرفي هو باحث شريك للأستاذ كلايتون كريستنسن في كلية الأعمال في جامعة «هارفرد» (Harvard Business School)، تعاون معه على تأليف كتابٍ يعنى بتنظيم المحفزات في نظام الرعاية الصحية).