اطلعت كغيري على التعميم الجديد الخاص بضرورة توفر المحرم مع الطالبة المبتعثة، وأن على جميع المبتعثات تأمين ذلك المحرم خلال ثمانية أسابيع أو تُلغى عليهن البعثة. ولست بصدد التدخل في قضايا شرعية لست أهلاً لها بحكم علمي المتواضع الشرعي وغيره، ولعل هناك من المشايخ الملمين بالدين وسماحته ويسره يدلون بدلوهم في الموضوع وتفاصيله.
لكنني أتساءل وبشدة: هل تنقلاتنا كسيدات هنا داخل البلد تحتم توفر المحرم؟ أنا أذهب كل يوم مع السائق دون محرم، ومحارمي يحفظهم الله أكثر انشغالاً مني ليخصصوا أوقاتهم للتنقّل معي في شوارع الرياض وبين محلاته. كما أن لدي صديقات كثيرات يعشن في منازل هن أكبر من فيها سناً وبقية الأفراد إما أطفال صغار أو عجزة يحتاجون رعاية، ومع ذلك تدرس هذه الصديقة أو تعمل وتتنقل ما بين هنا وهناك دون محرم وفي أحيان ما بين مدينة وأخرى.
وموجب تساؤلي هو: إذا كان ولي أمر الفتاة وأهلها راضين عن دراستها وبقائها بمفردها فما ضرورة وجود محرم معها قد يكون في أحيان كثيرة عبئاً عليها؟ ولا سيما المرافقون المراهقون الذين ومن منطلق خلفية «عيبه في جيبه» يتيح لنفسه ما لا تستطيع الفتاة أن تتيحه لنفسها، بالتالي قد يوقعه ذلك التصريح الاجتماعي في الكثير من المتاعب والمشاكل ولعلنا نسمع بتلك القصص بين المبتعثين ما بين الفينة والأخرى. تساؤلي الإلحاقي هو: ما الفائدة من تعطّل حياة أسرة هنا بسبب ضرورة سفر عائلهم للبقاء مع ابنته التي هي ضمن بنات أخريات هنا وهناك؟
وإذا كان هذا «القرار» مهماً لهذه الدرجة في السابق فلماذا لم توضع الضوابط «الشديدة» التي تؤكّد وتصون احترامه بدلاً من الحاقة «بتعميم»؟ مع أني شخصياً لا أراه مهماً، فإما أن نثق في بناتنا ونوافق على ابتعاثهن ونتابع سير دراستهن بطريقة أو بأخرى، وإما أن نلحقهن بجامعاتنا ويبقين بيننا، لكن من الظلم أن أحرم فتاة فرصة الابتعاث ونحن نعلم إيجابياته بحجة عدم توفر المحرم.
أعرف كثيراً من الأسر اللاتي ابتعثت بناتها للدارسة هنّ في مدن بها قريبات أو أقارب لهم من غير المحارم يدرسون في الجامعات وهن أي المبتعثات على تواصل دائم مع هؤلاء الأقارب فلا تكاد تخلو إجازة نهاية أسبوع بدون اجتماعهن بأسر هؤلاء الأقارب، أو رؤية عابرة في سوبر ماركت أو تجمع تجاري، ونحن هنا في داخل البلد ربما لا نرى محارمنا إلا على فترات متباعدة.
أعود مرة أخرى وأكرر أن هذه وجهة نظري التي أراها منطقية، وللفتوى أهلها الذين نتطلع بشغف وشوق إلى آرائهم التبصيرية التصحيحية المواكبة لمستجدات العصر، ولكن من غير المنطقي الآن وفي هذه الفترة وبعد أن قطعت العديد من الطالبات شوطاً طويلاً في الدراسة أن نقول لهن عليكن العودة إذا لم تتمكّن من توفير المحرم حتى وإن كان كهلاً يتنقل بكرسي متحرك أو مراهقاً يقضى جلَّ وقته في لهوه، أو آخر بقاؤه هنا في البلد يدير حياة أسرة بكاملها أفضل من سفره كمحرم. الدور هنا على المختصين من رجال الشرع، إما أن السفر للدراسة بدون محرم لا يجوز شرعاً، وهنا على الجهات المعنية التأكّد من تطبيق ذلك «مستقبلاً» أو أن الموضوع يترك لقرار الأسرة والأهل. لكن أن نترك الاجتهادات تأخذنا كل يوم في اتجاه ينتج عنه قرارات يتبعها تعميمات مكلّفة مادياً ونفسياً لطالباتنا وأسرهن فهذا ليس عدلاً على الإطلاق.
mghamdi_one23@yahoo.com