ففي بلد حرام وشهر حرام عقدت مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم وتلاوته وتفسيره للسنة الثالثة والثلاثين، التي قد يتبادر للسامع أنها مثلها مثل المسابقات الأخرى ولكن من يقترب منها ويدخل في كواليسها يجد شيئاً آخر، طاقات وميزانيات ورجال وإمكانات وعمل دؤوب يمتد لقرابة العام لكي تتم بالشكل المطلوب، فما أن تنتهي دورة حتى يبدأ العمل بدورة أخرى وبينهما الترتيب والتنسيق ومعالجة الأخطاء والسعي نحو الأفضل فسبحان من سخر لهذا الكتاب رجالا يخدمونه لا يألون جهداً في ذلك.
ما أروعها من لحظات وما أجملها من نفحات مباركات أن تكون في جنبات المسجد الحرام تتفيأ ظلاله وتنظر إلى كعبة الرحمن أمامك وقد ملئ المكان مهابة وجلالاً، وأنت بين حفظة الكتاب العزيز أهل القرآن أهل الله وخاصته والقراء الكرام المهرة، فلعمرك إنك لتعيش في جنة لا تبغي لها بديلاً، والحق يقال: إن هذا البلد (المملكة العربية السعودية) قد وهبه الله نعماً كثيرة ومن أعظمها خدمة الحرمين الشريفين وكتاب الله الذي يحوي كلامه سبحانه وتعالى، فما فتئ قادة هذه البلاد يولون الرعاية الخاصة لهذا البيت العظيم، فها هي التوسعات تلو التوسعات ولم تنته ولم تنقض، كيف؟ وأنا الآن في الحرم وأنظر عن يميني توسعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله وعافاه -، أعظم توسعة يمكن لك أن تشاهدها، وكيف لي أن أنسى توسعة الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - ونحن جميعاً في المسابقة وكل من فيها وزوارها تحت مظلة هذه التوسعة المباركة، إنها دلائل التوفيق من رب العالمين أن سخر لقيادتنا هذه الأعمال العظيمة، فمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة النبوية - وقد نظمت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد زيارة له خاصة - صرح كبير شامخ يحتاج إلى إفراد كتاب لعرضه وذكر منافعه للإسلام والمسلمين، وقد زار المشاركون المشاعر المقدسة ومصنع كسوة الكعبة، في الحقيقة ماذا أقول وماذا أعبر عن فخري واعتزازي.
إن هذه المسابقة ليست مجرد مسابقة، إنها جامعة ومدرسة متنوعة وقد صدق من سماها "أم المسابقات القرآنية" وقد قدر لي يا احبابي أن شاركت متسابقاً فيها قبل أكثر من عشرين عاماً، وكنت أراها في حينها شيئاً عظيماً، والآن أعود إليها زائراً لأرى الفرق الكبير والبون الشاسع الذي يبهج الناظر من التنظيم والتطوير والعطاء الجزيل لكل المشاركين، فالجميع قد ربح ولا يوجد خاسر بينهم، فكلهم قد حصل على التكريم والإكرام ورجعوا لبلادهم ومعهم جزيل العطايا والهدايا، وهم أصلا فازوا قبل ذلك بزيارة المقدسات وأداء العمرة ومجاورة بيت الله الحرام، وكذلك التقوا بقراء العالم الإسلامي وحصل منهم الفائدة والتعارف والألفة والمحبة، كل ذلك ذهاباً وإياباً وما بينهما من إقامة وضيافة ومصروف ومكافأة على حساب الدولة - أيدها الله - من دون أن يخسر المتسابق ومن معه شيئاً.
جزى الله أهل الإحسان خيراً وأعظم لخادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وجميع قادتنا حفظهم الله خير الجزاء، وجزى الله وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ممثلة بمعالي الوزير الشيخ صالح آل الشيخ ومن معه ممن بذل وخطط وخدم القرآن، أخص بالذكر أمين المسابقة الأخ الدكتور منصور السميح وجميع العاملين معه، وشكراً خاصاً ممزوجا بالدعاء لسعادة الأخ الأستاذ صاحب الخلق الرفيع سلمان العمري رئيس لجنة العلاقات العامة والإعلام للمسابقة أسأل الله أن يبقي ويمد في عمرها نصرة لكتاب الله وتشجيعا لحفظته، اللهم احفظ بلادنا واحم مقدساتنا من كل عدو ومتربص وحاقد.
*إمام وخطيب جامع الملك فهد بالمعذر بمدينة الرياض - مكة المكرمة: شهر الله المحرم 1433هـ