العمل الشوري أو البرلماني بصفته التشريعية والرقابية له قواعده المتعارف عليها ومن أبرزها الحرص على صيانة استقلاليته عن السلطة التنفيذية. إضافة إلى ذلك فإن أهم مواصفات عضو البرلمان أو الشـورى الاستقــلاليـة التامة في فكره ورأيه والبعد عما يسبب له تعارض مصالح شخصية قد تؤثر في توجهاته وأحكامه، لذلك حرص النظام على تفرغ أعضاء الشورى وعدم جمعهم بين العمل الشوري والتنفيذي، بما يرفع عنهم الحرج في هذا الشأن ويمنح أداءهم المصداقية المنشودة.
أسوق هذه المقدمة منوهاً بأنني أتطرق إلى أسس وقواعد، واستشهادي بما سيأتي لا ينتقص من كفاءة أصحاب المعالي والسعادة أعضاء مجلس الشورى، فالفكر البرلماني لدينا ما زال في مهده ولم نتشرب ثقافته وأساسياته وحساسيته بعد.
بالأمس القريب نشر خبر زيارة معالي رئيس مجلس الشورى وبعض من زملائه إلى مقر وزارة الصحة للاطلاع على خطتها الإستراتيجية وهي ممارسة أعتبرها لا تليق بمجلس الشورى فالمسؤول هو من يجب أن يتوجه إلى قبة المجلس ليطرح ما لديه ويجيب التساؤلات المطروحة عليه من جميع الأعضاء وليس عينة مختارة، وخصوصاً أن ما طرح هو مجرد خطب يمكن إلقاؤها تحت قبة المجلس وليست أمراً ميدانياً يتطلب الزيارة للاطلاع عليه. ربما كنا سنقبل الأمر لو كانت الزيارة للمستشفيات للاطلاع على أمور ميدانية يصعب توضيحها تحت قبة المجلس، وحتى هذه يجب أن لا تتم بشكل مسبق الترتيب مع الجهة التنفيذية وإلا أنتفت أهدافها من حيث الاطلاع على الواقع كما هو دون تنميق وتلميع.
هذه الممارسة تعني علو كعب التنفيذي على التشريعي والرقابي وهذا سابقة تضر بسمعة العمل الشوري في المملكة. ولقد أفرزت تلك الزيارة مكاسب منحتها السلطة التشريعية للسلطة التنفيذية وأهمها المديح والتزكية الإعلامية المبالغ فيها، بدلاً من منحها الملاحظات والنقد والمساءلة الواجبة على الجهة الرقابية تقديمها. ليس ذلك فحسب بل امتدت المجاملة إلى اقتراح عقد لقاءات دورية منتظمة وكأن المجلس الشوري أصبح شريكاً للمسؤول التنفيذي وليس مستقلاً عنه ينظر له من زاوية رقابية تقويمية. هل صوت مجلس الشورى على ذلك المقترح البيروقراطي؟ وهل ستعمم الممارسة مع جميع القطاعات والوزارات؟ أم أن الأمر استثناءً لوزارة الصحة؟
إن أحد شروط العمل بمجلس الشورى تكمن في استقلالية العضو عن القيام بأعمال تنفيذية فيها تعارض مع دوره التشريعي والرقابي، وقد اتضح ضعف الثقافة البرلمانية في هذا الجانب من خلال كلمة معالي مجلس الشورى حين أشار إلى مشاركته بلجان ودراسات تخص وزارة الصحة. وهنا يمكن لمن يريد الاصطياد القول بسهولة إن هناك مصلحة ذاتيه عملية لمعاليه مع وزارة الصحة قادته إلى التنازل عن هيبة المجلس وهيبته كرئيس للمجلس بزيارته ومديحه لها. نحسن الظن بمعاليه فربما قصد معاليه عمله مع بعض لجان الوزارة بصفته العملية والعلمية التي سبقت عمله بمجلس الشورى، لكن ارتجال الحديث ومن باب الملاطفة للمستضيف جاءت تلك الإشارة في ثنايا خطابه بوزارة الصحة.
مجلس الشورى يجب أن يكون له هيبته واحترامه وقد عهدنا في جميع المسؤولين وأصحاب السمو والوزراء الذهاب لطرح رؤاهم وللسماع إلى ملاحظات أعضاء المجلس من تحت قبة المجلس وليس في مقرات الوزارات والقطاعات التنفيذية، فلماذا وزارة الصحة تستثنى من هذا الموضوع؟!
malkhazim@hotmail.com