انتهى عام 2011م، ولم يمر عابراً، بل خلق في كل إنسان عربي رؤية جديدة، ونظرة مختلفة للمستقبل. لم يطل التغيير الحكومات وحدها، بل تغيَّرت أشياء كثيرة. وفي دول الخليج العربي تحديداً يتضح أن المتغيِّرات شملت أفكاراً تحوّلت بعد أن كشف الربيع العربي نوايا وأطماع وأحقاد، كانت متدثرة في السابق تحت غطاء الحقوق والإصلاح والشعارات المصاحبة لهما، التي تجذب كل من يرغب برؤية مجتمعه في وضع أفضل وحال رغيد. تفتحت العيون والأذهان وصار العقل العربي أكثر تركيزاً مع الأحداث السياسية وأبعادها، ولم تعد تصريحات كبار الساسة وحدهم التي تُروّج وتُقرأ وتُحلّل، بل حتى كتابات الناس العاديين في مواقع الإنترنت من المهم قراءتها لمعرفة الحراك إلى أين يمضي؟ والميول إلى أين تميل؟ قبل الربيع العربي لم أكن أصدّق أن دفاع (فلان) عن حزب الله بسبب أطماع سياسية أو بسبب كرهه ونيله من منطقة الخليج العربي، بل كنت أعتقد أن (فلان) ينظر لحزب الله كحركة مقاومة ضد إسرائيل، هذا الشعار الذي انطلى على بعضنا، ومن خلاله تمت عملية التغييب الفكري، وتوجيهه ضمن وسائل الدعم والمساندة الخفية، ولم تعد خفية، فمن بركات الربيع العربي إزالة الغطاء وكشف التوجهات الفكرية والحركية!
مع هذا كله، تبقى حرية الشخص محفوظة في إطار التوجهات الفكرية، على أن لا تصل إلى مرحلة (الحركية) لأنها هنا لا تكون حرية محمودة، بعد أن تعدت على حريات الآخرين وخياراتهم وأمنهم. وهذا يدخل فيه «الإعلام» واتجاهاته ومحتوياته والقائمين عليه. وهذه الأخيرة هي صلب الموضوع، وما حصل مؤخراً من تصريحات مسيئة أتت على لسان إعلاميين، نحن من احتضنهم وأبرزهم وجعلناهم يكبرون في أذهان الجمهور، ونفخنا جيوبهم وفضَّلناهم على أبناء البلد الوطنيين الذين يكدحون لأجل فتات من الريالات كل آخر شهر. وها نحن رأينا بأنفسنا نماذج عند أول محك أظهر ما بنفوسهم من كره وحقد علينا وعلى إعلامنا ووطننا. وهذا برأيي يعود إلى انصراف - بعض- القائمين على المؤسسات الإعلامية عن قضية «المؤامرة» والتي لا يؤمن بها كثيرون، وكنت أنا شخصياً منهم. إلى أن أتى الربيع العربي بالثورات الجادة التي وقفت بشجاعة أمام أنظمة الظلم والقهر، استغلها مخربون خرجوا بزعمهم يقومون بثورة في منطقة الخليج العربي، وهي ليست خفية وظهرت أهدافها الطائفية أمام العيان. وهذه لم تظهر في يوم وليلة، بل هناك عمل جاد ودؤوب من سنين طويلة كان يخرج أمام الجميع باسم الإصلاح، وينتظر الفرصة معتقداً أن الربيع العربي هو فرصته، وخاب المسعى.
العمل الطويل لهذه الفئات أثمر عن اختراق إعلامي ليس بالهيِّن، فهؤلاء الإعلاميين الذين كشفوا أنفسهم هم أكثر جرأة من المتسترين! وهنا السؤال حول القائمين على المؤسسات الإعلامية، أين كانوا حينما استقطبوا هؤلاء وأعطوهم أهم البرامج أو زوايا المقالات الصحافية، أين هم من معرفة توجهات هؤلاء وميولهم حتى وإن كانت مستترة، أليس النقاش والحوار حينما يدور بين شخصين لأول مرة من الممكن أن يعطي خطوة أولية للدخول إلى الخارطة الفكرية ومعرفة موقع هذا الشخص منها؟
ما حصل مؤخراً، وعلى سبيل المثال من جورج قرداحي وطعنه بقناة العربية التابعة للمؤسسة التي آوته وخلقت منه نجماً شهيراً بجيوب منتفخة، وحين استغنت عن خدماته بدأ يرشق حولها التهم، وما دام المذكور شريفاً فكيف قبل من الأساس العمل في مؤسسة إعلامية - كما يقول- متواطئة مع إسرائيل؟ وعليه أن يتطهّر سريعاً من هذه الأموال ويتبرع بها بلا تردد لبناء سراديب يختبئ فيها بشار الأسد وجوقته. لن أزيد في هذا الوارد عمّا قاله المثل الشعبي: (طبخ طبختيه، يالرفلة كليه)!
www.salmogren.net