|
شهد العام 1157هـ بداية الوحدة الوطنية للدولة السعودية القائمة على منهج السلف الصالح عندما التقى الإمامان الأمير محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب (رحمهما الله) في بلدة الدرعية وتعاهدا على نشر الدعوة القائمة على الكتاب والسنة ومصادر التشريع الإسلامي التي هي منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم ومن تبعهم بإحسان من أهل العصور الإسلامية التي زخر بها التاريخ الإسلامي عبر بقاع العالم الإسلامي في اتفاق تاريخي لا زال هذا الوطن حتى العصر الحاضر يجني ثماره اليانعة وسيستمر بإذن الله إلى قيام الساعة، إضافة إلى آثاره الممتدة إلى جميع أصقاع العالم الإسلامي مما لا يخفى بحكم وجود الحرمين الشريفين واجتماع الحج السنوي الذي يعد أكبر تجمع بشري في مكان ووقت معلوم محدد.
وكانت منطقة الجزيرة العربية آنذاك تعاني من الفرقة والشتات والانحراف عن الدين الإسلامي الصحيح وتمثل ذلك في انتشار البدع والخرافات والجهل بحقيقة الدين الصحيح وما صاحب ذلك من محن وخلافات وحروب وفقر وعوز لم يكن في المنطقة الوسطى منها وحسب! وإنما في جميع أنحائها، ومثل ذلك بشكل أو بآخر في مناطق عديدة من العالم العربي والإسلامي.
ومنذ الاتفاق التاريخي الذي شهد مولد الدولة السعودية التي تعاقب عليها الأئمة والأمراء والملوك إلى عهد مؤسس الدولة السعودية الحديثة جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود (رحمه الله) مؤسس المملكة العربية السعودية التي نتفيأ ظلالها منذ العام 1319هـ ومن ثم إعلان توحيدها بهذا الاسم في العام 1351هـ ثم أبناؤه من بعده الملوك (سعود وفيصل وخالد وفهد رحمهم الله) وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز (حفظهم الله وأيدهم) أقول من ذلك الاتفاق وحتى العصر الحاضر والدولة السعودية تحمل رسالة منهج السلف الصالح في الحكم والسياسة والتربية والتعليم والدعوة والاقتصاد والمعاملة والعلاقات مع الآخرين مما هو معروف عنها وعن قادتها وسياستها الثابتة التي يعرفها البعيد قبل القريب سلفية وسطية بدون غلو أو جفاء، وهو ما جعل لها مركز الثقل في العالم الإسلامي وزاد من ذلك كونها دولة الحرمين الشريفين، وكفل لها أيضاً استقراراً ثابتاً انعكس على مركزها الدولي في السياسة العالمية.
إن الدولة السعودية عبر تاريخها الطويل المتجذر في أرض الجزيرة العربية لم تتخل يوماً عن منهجها السلفي الذي يمثل الإسلام الصحيح الذي جاء به رسول الهدى محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، سلفية صحيحة لا لبس فيها ولا غموض وهو منهج السلف الصالح من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وعلى هذا الأساس تأتي ندوة (السلفية: منهج شرعي ومطلب وطني) التي تنظمها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في شهر صفر لهذا العام 1433هـ برعاية كريمة من ولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز (حفظه الله) نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية وهي رعاية تعكس بجلاء اهتمام الدولة (وفقها الله) بجميع مكوناتها بالسلفية الصحيحة وأنها منهج شرعي ومطلب وطني وأن الدولة تفخر بسلفيتها التي ميزتها عن سلفيات مدّعَاةٍ شرقاً وغربا، وهي سلفية سارت ولا تزال تسير عليها الدولة بفقهها المعروف ومعناها ومبناها ومدلولها وضوابطها الشرعية وما ينبني عليها من تعامل أمثل على المستوى الداخلي والخارجي فيما يهم من أمور الدين والدنيا.
وإن الرعاية الكريمة ومحاور الندوة العديدة التي شملت عدة جوانب أساسية للمنهج السلفي تؤكد عمق الأصالة لهذا الوطن وقوته الداخلية والخارجية، فالمنهج واضح جلي يحكمه الشرع والوطن ينطلق منه في جميع شؤونه، ولست هنا في مجال الحديث عن محاور الندوة فقد ألفت فيها البحوث والدراسات وأوراق العمل من المتخصصين من العلماء في الداخل والخارج ولكنني أردت الإشارة والتوكيد على محورين الأول منهما هو الدولة السعودية والمنهج السلفي نشأة وتطبيقا وهو ما تمت الإشارة إليه، والثاني هو صلة المنهج السلفي بالمقررات والخطط الدراسية في المملكة وهو مرتبط به ارتباطاً يؤكد نهج الدولة السعودية منذ قيامها وعلى مدى تاريخها الطويل بقيامها على المنهج السلفي؛ لأن التربية والتعليم في أي بلد هي التي ترسم مسار البلد وتوجهه فلا يمكن الادعاء بشيء لا تحققه التربية والتعليم فهي التي تصنع الأجيال، وهذا مصدر فخر واعتزاز للمملكة العربية السعودية قيادة وشعبا وهو في الوقت نفسه ما أكسبها الاحترام على مستوى محيطها الخليجي والعربي والإسلامي والدولي.
وإن إقامة الندوة من قبل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرعاية العليا تؤكد أيضاً أهمية هذه الجامعة ودورها الشرعي والوطني في هذا الوطن وهو دور ما كان ليتأتى لولا مسيرة حافلة للجامعة وثقة مطلقة بها وبمسؤوليها وعلى رأسهم معالي وزير التعليم العالي رئيس مجلس الجامعة الأستاذ الدكتور خالد بن محمد العنقري ومعالي نائبه ومعالي مدير الجامعة الأستاذ الدكتور سليمان بن عبدالله أبا الخيل الذي عمل جاهداً لإقامة هذه الندوة وتنظيمها وتشكيل لجانها العاملة ومتابعة العمل فيها ليل نهار.
وفق الله القائمين على هذه الندوة لتحقيق أهدافها وحفظ هذا الوطن شامخاً بتمسكه بالسلفية الحقة عالياً بأمجاده وقيمه ومبادئه المستندة للمنهج السلفي الصحيح وموئلاً للسنة ومميتاً للبدع نابذاً الغلو والتطرف والانحلال، وحفظ له قيادته الحكيمة وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز (حفظهم الله) وإخوانهم، وحفظ للوطن علماءه المعتبرين ومسؤوليه المخلصين، ووفق الله العاملين في هذه الجامعة للقيام بدورهم المأمول منهم في الشؤون الشرعية والوطنية والتربوية والاجتماعية وما يدعم الوطن وقادته وأهله في أي مجال.
والله من وراء القصد.
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية