كأنما هناك أوكازيون على القتل اليومي، سينتهي في 31 ديسمبر 2011، ها هي العراق قبل أيام تعود إلى الأضواء، وتلحق بسوبر ماركت 2011 لتأخذ حصيلتها من الذبح اليومي في سلسلة تفجيرات متتالية، وها هي سوريا تدخل اللعبة الممجوجة، وتأخذ نصيبها من القتل باسم القاعدة هذه المرة، وها هي مصر تعود في هذا الشهر الأخير إلى سلسلة القتل، وهذه المرة باسم الجيش الذي كان يحمي الثورة وأبناءها قبل أشهر قليلة، ماذا بعد؟
يوم السبت القادم هو اليوم الأخير من هذا العام العجيب الغريب، العام الذي ترى فيه عجائب الدنيا كلها وغرائبه في يوم واحد، فلو بث موقع اليوتيوب قبل عام مشهداً متخيلاً عن الزعيم الليبي، ملك ملوك أفريقيا، وهو يساق ويركل بواسطة مجموعة شباب ليبيين، لقلنا لأنفسنا من هذا المجنون الذي تخيّل هذا المقطع المستحيل؟ ولكن أن يخرج السيد رئيس الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية العظمى -ما أطولها أشعر أنها سرقت خمس كلمات من مقالي اليوم- من جحر صرف ماء، فهو أمر من الغرائب، أن يخرج ملك ملوك أفريقيا من جحر منكوش الشعر، مهلهل الملابس، زائغ العينين، وأن يموت عشرات المرات قبل ميتته الأخيرة، هو أمر مخيف، فأمر الله سبحانه فوق كل جبروت، بل ما أعجب له حقاً، هو ألا يكون هذا الملك الرئيس القائد الطاغية عبرة للطغاة الآخرين، أتمنى أن أسأل السيد السوري بشار، كيف يرى هذا المشهد؟ وأتمنى ألا تكون إجابته بأنه هو مختلف عن القذافي، وأن سوريا ليست ليبيا، فالمكابرة وعدم الاستفادة من تجارب الغير هو ما يسقط الإنسان في المجهول!.
أعود إلى هذا العام الأعجوبة، وأشعر بقلق عظيم على مسارعة هذه الدول بحصد المزيد من الأرواح قبل أن ينتهي، ويسلم الراية للعام الجديد، وكأنه يحرّضه على الركض في ماراثون القتل المنتظم، وعلينا ألا نشير دائماً إلى سقوط المستبدين فحسب، بل ماذا عن آلاف أو عشرات الآلاف من المظلومين، الذين ينشدون الحرية والكرامة، ألا يجب أن نتذكرهم دائماً، ونحزن لرحيلهم من أجل حريتنا نحن، وحرية الأجيال القادمة؟.
منذ ديسمبر الماضي حينما أحرق شاب تونسي النار بنفسه، وحتى ديسمبر الجاري، كأنها لم تكن سنة واحدة فحسب، بل عشر سنوات من التقلبات والأحداث العظيمة، كأنما من مات هم أكثر ممن مات خلال خمسين سنة مضت، كأنما الأرض العربية لم ترتوِ بعد من دماء شبابها الباحثين عن الحرية والعدالة، فكلما شربت ازدادت عطشاً، كأنما السياسة تخفي رأسها كنعامة، ولا تمنح المعرفة لمن هم في قلب الصراع الآن، كأنما القتل اليومي المتواصل لا يريد أن يصبح تاريخاً، بل يرفض ذلك بشراسة، ولا يريد أن يكون إلا حاضراً ومستقبلاً، هل قلت مستقبلاً؟ هل بقي المزيد من القتل للعام القادم، العام الذي سيبدأ في ظرف يومين فقط، هل سيبقى هذا الأوكازيون مفتوحاً، وهل يزيّت القناصة بنادقهم الآن، ويتهيأ من هو خلف المدافع الرشاشة الآلية، لاستهلال عام جديد؟.
سأغمض على تشاؤمي هذا الصباح، وأقول لكم: كل عام وأنتم بخير.