مع إشراقة شمس يوم جميل، كشف رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الأستاذ محمد الشريف، عن: «لائحة يجري إعدادها في المراحل الأخيرة، تلزم بعض موظفي الدولة، تقديم إقرار بالذمة المالية، وتستهدف العاملين في الشؤون المالية في المؤسسات الحكومية، والوزارات،
والوزراء الذين لن تستثنيهم اللائحة». وهي خطوة مهمة، وحق مشروع، سيعزز الشفافية، ويقضي على أي محاولة؛ لتحقيق كسب غير مشروع من خلال استغلال النفوذ الوظيفي، وسيقطع الطريق على كل من تسول له نفسه، أن يتلاعب بالمال العام.
أصبحت ظاهرة الفساد الإداري، والرشوة، والتزوير، من الظواهر الخطيرة التي تواجه بلادنا، وتنخر في مجتمعاتنا. فلا يكاد يمر يوم إلا ونقرأ عن جريمة إساءة استعمال السلطة الوظيفية، أو استغلال النفوذ الوظيفي، أو اختلاس، أو رشوة، أو تزوير، فتحول الفساد الإداري والمالي إلى أسلوب عيش، وكأننا لا نستطيع أن نعيش بدونه. ولا شك أن هذا مؤشر خطير يهدد مجتمعنا، ويضر بمبدأ العدالة الاجتماعية. كما أنه آفة تقف عائقا في وجه التنمية المستدامة، ولذا كان شعار اليوم العالمي لمكافحة الفساد، الذي صادف يوم التاسع من ديسمبر من هذا العام، هو «لا تتركوا الفساد يقتل التنمية».
ولا يعتبر الفساد الإداري والمالي- ظاهرة اقتصادية، أو إدارية، بل هو ظاهرة اجتماعية، وأخلاقية. وهو ما يؤكده «إستر بنشيف»، حين قال: «إن لأي مشكلة اجتماعية مميزات أربع، تعرف من خلالها، أولا: أنها حالة يشمل تأثيرها عدداً كثيراً من الناس.
ثانيا: تؤثر بهم بطرق غير مرغوب بها، أو بطرق تهدد وجود قيم، ومفاهيم اجتماعية، وأخلاقية معترف بها.
ثالثا: توفر رأيا عاما مفاده، أنه يمكن القضاء على تلك الحالة، أو تعديلها. رابعا: أنه لا بد من عمل جماعي مناسب؛ لحل هذه المشكلة، والقضاء عليها». ولا غرابة حينئذ أن تعمل الدول المتقدمة على تحجيم الفساد الإداري والمالي، باعتباره جزءاً من نسيج الحياة الاجتماعية. إضافة إلى انتشار الديمقراطية في تلك المجتمعات، وتطور مفاهيم حقوق الإنسان، وقوة الرأي العام في وسائل الإعلام؛ من أجل محاسبة المفسدين أيا كانت مراكزهم. إذ لا مجال لمحاربة الفساد دون مساءلة، ولا مساءلة دون قانون.
إن الكشف عن الذمة المالية، يقتضي تقديم تقرير عن كامل الأموال التي تدخل إلى الموظف، وعن مصادرها، وسيتم إعادة إظهار هذا الكشف بعد نهاية خدمة عمله؛ من أجل التأكد من عدم وجود زيادة مالية، يمكن أن تكون قد تحققت بطرق غير مشروعة، لا سيما وأن الفساد مع الأسف أصبح منظومة كبيرة، ومتشابكة، تحتاج في المقابل إلى منظومة متميزة، ومتكاملة من التشريعات، والرقابة، والإصلاحات؛ لمواجهتها، وهو ما يقتضي تطوير قدراتنا على كشف الفساد، ومعالجة طرق الاحتيال بطريقة أقدر، وبدقة أكبر، تحقق مصلحة الوطن، واحتياج المواطن. بل وسيساهم هذا النظام في جذب الاستثمارات الخارجية، ودعم الاقتصاد بشكل عام، والقضاء على استنزاف خيرات، وموارد الدولة.
إن مكافحة الفساد الإداري والمالي أمر ممكن، ولا يكون ذلك إلا بالقضاء على أسبابه، ومبرراته، وتشخيص الأسباب المؤدية إلى تفشيه بهذه السرعة. كما أن مكافحته من القضايا المهمة، التي تندرج في قضايا الإصلاح في كل زمان، ومكان. ومن جانب آخر، فإنه لا بد من الاستعداد النفسي؛ لمحاربة هذه الظواهر المقيتة، وإذكاء الوعي في منعها، والتعاطي معها بالجدية المطلوبة. وبهذه الثقافة فقط، سنستطيع محاربة الفساد؛ لنصبح على وطن بلا فساد.
drsasq@gmail.com