** لا أعرف تحديداً مدى التأثير الذي يمكن أن تعكسه حالة الرفاهية على سلوكيات الشعوب وتعاملاتهم الإنسانية، وهل يمكن أن تتجاوب تلك التأثيرات طردياً، إن الخطط التنموية يجب أن تأخذ على عاتقها الجانب المادي والسلوكي من حيث الأثر الذي يجب أن تحدثه في حياة الناس؟
** نعيش اليوم فرحة صدور أكبر ميزانية في تاريخ بلادنا، الكثير من المليارات رصدت لبناء المدارس والجامعات والمستشفيات وشق الطرق وغيرها من المظاهر العمرانية، ولكن كيف يمكن أن نقيس أثر ذلك على السلوكيات العامة والتعاملات بالنسبة لأفراد المجتمع؟
** على سبيل المثال عادة ما تحمل الميزانية مشاريع كبرى لشبكة الطرق والأنفاق والجسور، وفي المقابل لا نلمس أي تحسن في سلوكيات قائد المركبة لدينا، نجد الزحام والألفاظ النابية تتكرر في الشوارع وكل ذلك بسبب عدم التقيد واحترام أنظمة المرور والتجاوز على حقوق الآخرين بالطريق.
** لدينا أيضاً أجمل وأفخم مباني الكليات التقنية والمعاهد المهنية، ويرصد لهذا القطاع مبالغ طائلة سنوياً، ولكن في المقابل نجد ثقافة العمل المهني متدنية جداً في نفوس الطلاب، والبطالة تتجاوز 43% بين مخرجات هذا القطاع، لأن العملية أهملت جانباً إنسانياً مهماً، فحينما تريد أن تبني كليات مهنية لا بد من تهيئة ثقافية ونفسية تؤصل في نفوس الشباب حب العمل أولاً، ليسهل تأهيلهم.
** وفي ذات السياق، نستمع لمئات الخطب الوعظية في المساجد حول الأخلاق والصدق والأمانة، بينما على أرض الواقع تجد أكثر من نصف مجتمع الأعمال يسير أموره وتعاملاته بالرشاوي والتحايل، بل قد تجد من ينفق على طرفي النقيض، فتجده يرصد مبالغ للصدقة وأعمال الخير، ومبالغ أخرى للرشاوي.
** لتكون التنمية مستدامة، ويعيشها الوطن والإنسان على السواء لا بد من موازنة تجعل للتنمية أثراً في النفوس وليس فقط على الجيوب، وهنا يأتي دور التخطيط الصحيح حينما تتجاوز نظرته الأثر المادي إلى ما هو أعم وأشمل، لتكتمل الحلقة وينصهر المعطى التنموي بكل حالاته الإنسانية والعمرانية والإنتاجية ليكون في النهاية أثراً حقيقياً على الواقع.