على الرغم من أن الميزانية العامة للدولة ما هي إلا «خطة» مستقبلية بشأن الإيرادات المالية والإنفاق الحكومي لفترة العام المالي القادم، وهي من الناحية الفعلية خطة قد تتحقق أو لا تتحقق: بمعنى أن الإنجاز الفعلي قد يفوق أو يقل عما خُطِّط له، إلا أن الميزانية مناسَبة سنوية تعني لنا الكثير ليس فقط على صعيد السنة القادمة وإنما أيضا على صعيد الإنجاز المتحقق على مدى العام المنتهي.
ومنذ إعلان الميزانية يوم الاثنين الماضي توالت المعلومات والتحليلات عن هذا كله، فقد عرفنا ما تحقق خلال العام المنصرم، وعرفنا أن هذه الميزانية هي ميزانية تاريخية غير مسبوقة. فحسبما أعلن، من المقرر -وفق الميزانية- أن يكون الإنفاق الحكومي 690 مليار ريال، ومن المتوقع أن تكون الإيرادات المالية 702 مليار ريال. ولكن من الناحية الفعلية فإن حجم الإيرادات المالية للدولة سيتوقف -بالطبع- على حالة أسواق النفط العالمية خلال الأشهر الاثني عشر القادمة، كما أن الإنفاق الحكومي سيعتمد على القدرة الاستيعابية للاقتصاد السعودي بما في ذلك قدرة الأجهزة الحكومية على تنفيذ الخطط والبرامج التي تضمنتها الميزانية.. وأملنا هو أن تحافظ أسعار النفط على تماسكها، كما نأمل أن تتمكن الأجهزة الحكومية من تنفيذ ما تضمنته الميزانية من خطط وبرامج.
لقد أصبح تاريخ إعلان الميزانية من المواسم السعيدة التي يترقبها المواطنون.. وهذا عائد لأهمية الدور المركزي للحكومة السعودية في الاقتصاد باعتبار أن الحكومة هي المالكة لأهم مصادر الدخل في البلاد وهو النفط، ولضخامة الجهاز الحكومي الذي يخطط وينفذ المشروعات التنموية، وكذلك لأن الجهاز الحكومي هو قطاع التوظيف المفضل لدى الغالبية العظمى من الشعب السعودي بما يوفره من استقرار وظيفي وعلاوات سنوية تلقائية في الرواتب وعطل رسمية طويلة وغير ذلك من الامتيازات التي يندر توافرها في القطاع الخاص. ولذلك فإن الميزانية، في أذهان الناس، ليست مجرد خطة مالية للسنة القادمة وإنما التزام من الحكومة بتنفيذ مشاريع تنموية وباستيعاب أعداد جديدة من المواطنين في الكادر الوظيفي الحكومي، وغير ذلك من البشارات والأخبار السعيدة.
ومما يضاعف السعادة أن هذه الميزانية الكبيرة تأتي في ظروف اقتصادية بالغة الصعوبة على الصعيد العالمي. فالاقتصاد العالمي لا يزال يتخبط في أزماته المتلاحقة، وخصوصاً اقتصاد الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي. لكننا، كجزء من هذا العالم، نضع أيدينا على قلوبنا خوفاً من أن يؤدي تدهور الاقتصاد العالمي إلى انخفاض الطلب على النفط.. ومن ثم هبوط أسعاره، وهذا هو -كما يقال- مربط الفرس لأننا مهما خططنا فإن ميزانيتنا ستتحدد من الناحية الفعلية وفق أسعار النفط: إذا ارتفعت الأسعار رفعتنا وإذا هبطت -لا سمح الله- هبطت بنا معها. فمن المعروف أن الإيرادات الفعلية في نهاية العام المالي الحالي الموشك على الانتهاء، وفق ما جاء في بيان الميزانية، قد تم تقديرها بترليون ومائة وعشرة مليارات ريال (أي ألف ومائة وعشرة مليارت ريال) بزيادة نسبتها 106% عما كان مقدراً لها بالميزانية، وأن 93% منها تمثل إيرادات بترولية.. أي أن الإيرادات غير البترولية لا تتجاوز 7%.
إن هذا الوضع يجعلنا نتذكر دائماً ولا ننسى أن اقتصادنا هو اقتصاد ريعي يعتمد، إلى حد كبير جداً، على مصدر واحد للدخل وهو النفط. صحيح أن مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي وصلت إلى 48.8% (أي حوالي النصف) ولكن مما لاشك فيه أن النفط هو قاطرة الاقتصاد الحقيقية وكل القيم المضافة التي تنتج في الاقتصاد هي ذات علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالنفط.
هذا يدعونا، في مناسبة سعيدة مثل هذه المناسبة التي نتأمل فيها أرقام الميزانية، أن نكرس كل الجهود لتحقيق الهدف المعلن منذ أول خطة تنموية في مطلع السبعينيات الميلادية من القرن الماضي وهو هدف تنويع مصادر الدخل وتوسيع قاعدة الاقتصاد الوطني لئلا نقع تحت رحمة أسعار النفط في الأسواق العالمية، فنجد أن ميزانيتنا تتذبذب صعوداً وهبوطاً كلما تذبذبت هذه الأسعار.
* ص.ب 105727 رمز بريدي 11656- - الرياض
alhumaid3@gmail.com