جاءت تباشير الصباح تداعب القلب الحزين, وغرّدت عصافير الفجر طرباً في البساتين, وتجوّلت جموع النحل بين النرجس والياسمين, وها هي حبات الندى تهمس في شوق وحنين: لمَ الضيق وكون الله شاسع, لمَ الحزن وجود الله واسع, لمَ الظلمة ونور الحق في الآفاق ساطع.
يا قلبي المهموم, الحياة جميلة بطاعة الله, فأزل عنك الغموم, كيف تحزن والله ربك, ما من شيء إلاّ يسبِّح بحمده, {.. يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاس ..}, يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، يغفر الذنوب وإنْ كانت مثل زبد البحر, يبدل السيئات إلى حسنات، فلمَ تلك الحسرات, بادر يا قلبي قبل الفوات, فإنما هي سنين، فاملأها فرحاً، فلن تعيش العمر مرتين.
يا قلبي الحبيب, ولاية الله هي منتهى الآمال, وإليها تشدُّ الرحال, وبها تنال السعادة في الدنيا و المآل، {أَلَا إِنَّ أوليَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}، شروطها الإيمان والتقوى، فإنْ أردت أن تكون منهم، فاعمل لتلك الكرامة، واسلك طريق الاستقامة، واتعب في جهاد الهوى, فلن يصلها قلب آثر السلامة، ففي الطريق فتن وأهواء، وتمحيص وابتلاء، ليميّز الله الخبيث من الطيب.
لن يمتطي المجد من لم يركب الخطرا
ولا ينال العلا من قدم الحذرا
يا قلبي التواق، أما زلت مشتاقاً؟, هيا معي فلازال في الحياة بقية، ولازال في العمر متسع,
قبل أن أرحل وترحل، أشعل معي قناديل الأمل في دياجير الظلم، لنرى الطريق، فإنْ كنت
أذنبت فباب التوبة مفتوح، وإنْ كنت نسيت أو أخطأت فالخطأ بفضل الله مدموح، {.. رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}, وإنْ ضاقت بك الدنيا يوماًً، فتذكّر أنّ لله جنة عرضها السماوات والأرض أعدّت للمتقين.
قلبي الغالي, قبل الوداع, كلمة قالها أحد الصالحين, سأهمس بها في أذنك, قبل أن تعود لجهاد نفسي الأمارة, ومعك آمالي وأمنياتي، وخالص دعواتي:
أصلح ما بقي من عمرك، يُغفر ما مضى من ذنبك.
{وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
خاتمة:
يا رب وفقني أعيش العمر لك
في كل لحظة أذكرك من حياتي
أحيا لأجلك وأشكرك وأنحني لك
يا مالكٍ قلبي وروحي وذاتي
أكبر شرف إني أنا خاضعٍ لك
عبدٍ يعفر جبهته في الصلاتي