إن حياة الإنسان في هذه الحياة أوجدها الله لكي تتفاعل مع ما هو مطلوب منها بين عبادة مادية وعبادة روحية، فالعمل بجميع أشكاله عبادة، والعلم كذلك، آخذين بعين الاعتبار مكونات العلم ومقوماته الرئيسة، الكتاب والسنة اللذين يعتبران ركيزتين أساسيتين له. فلهذا العلماء حياتهم قائمة على العمل والعلم متى ما عانقت الفطرة التي أرادها الله لعباده والتي رسخها الفكر الإسلامي للبشرية عامة. فالعمل مرتبط بالعلم، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يثبت العلم إلا به، كما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ذاك عند أوان ذهاب العلم، قال قلنا يا رسول الله فكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا ويقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة، فقال ثكلتك أمك يا ابن أم لبيد إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة، أو ليست هذه اليهود والنصارى يقرؤون التوراة والأنجليل فلا ينتفعون بما فيها!). هذا الحديث رسخ فلسفة ربانية، لأن رسول هذه الأمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فالعلم يحتاج إلى ترجمة وسلوك حي ومعنوي يمارسه الإنسان على الواقع وليست تنظيراً، لأن المشاهد اليوم أن من يحسبون على العلم هم ليسوا كذلك، لأن البعض منهم لا يتعدى حناجرهم، ولا يرسمون القدوة في سلوكهم، ولا تجد حتى القبول لهم عند الناس عندما يتحدثون ويفتون لأنهم تركوا العنان لأنفسهم وغرتهم هذه الحياة بزخرفها الزائل فتجدهم متلونين في شخصيتهم والتي قد تقودها -لا سمح الله- إلى أسلوب النفاق وخصوصاً في عصرنا الحاضر الذي طغت فيه المادة على حياة معظم البشر ولا سيما المحسوبين على العلم والذين أصبحوا مادة سهلة ممكن استغلالها لتشويه صورة العلم والعلماء. فالفضائيات خير شاهد على ذلك، حيث البعض منها أتاحت الفرصة لمن هبَّ ودبَّ وأعطته مساحة واسعة في برامجها ليقول كلمته دون التحقق من مكونات شخصيته العملية والعلمية، كذلك أيضاً لم تكلف نفسها البحث عن سيرته الذاتية والسلوكية. وبالمقابل أيضاً هناك فئة من هؤلاء الذين يدعون أنهم من طلبة العلم يحاولون بكل ما يملكون من علاقات شخصية أن يكون لهم حضور في هذه الفضائيات، وقد وصل الأمر بهم أن يذهبوا لمن يدفع لهم أكثر. وقد أثر هذا السلوك على بعض طلبة العلم الحقيقيين الذين تركوا العمل بالعلم والذي يؤدي إلى ذهاب العلم. فلهذا لابد من وقفة صادقة ومحاسبة النفس، ولنتأمل في سيرة نبي هذه الأمةوصحابته والسلف الصالح وسيرة العلماء التي بين أيدينا والتي عاصرناها والتي عاصرها الذين تعاملوا مع العلم والعمل قولاً وعملاً، ولم يلتفتوا إلى معطيات مادية وإغراءات ووجاهة اجتماعية، فلهذا وجدوا القبول والاتباع لأنهم رسموا القدوة وطبقوها في أنفسهم قبل غيرهم. وهذا سلوك العلماء الذين يبحثون عن مفاتيح النجاة والفوز برضا الله تعالى، بخلاف من ترك مسؤولياته تجاه نفسه والآخرين فهو آثم لا محالة لأنه أضر بالمجتمع لأنه ليس من طريقة لنشر العلم أفضل من العمل به.