الأرقام التي أعلن عنها بميزانية العام القادم حملت معها أبعادًا عديدة لا تقف عند حدود ما تم تخصيصه لكل قطاع بالاقتصاد الوطني وكنت قد كتبت مقالاً توقعت أن تركز الميزانية على ثلاثة أهداف رئيسة: التوظيف والتضخم والإسكان، فمن الواضح أن الميزانية تهدف لاستكمال ما تم اعتماده بالخطة الخمسية التاسعة بعامها الثالث القادم إلا أنها أيضًا تتركز توجهاتها نحو أولويات واضحة، حيث راعت احتياجات المجتمع السعودي بتفصيلاته الدقيقة فاعتماد 168مليارًا ريال للتعليم والتدريب يأتي لتحقيق أكثر من هدف في وقت واحد فأولوية هذا القطاع ليست بجديدة في كل الميزانيات السابقة والسبب أن أكثر من ستين بالمائة من المجتمع السعودي هم دون العشرين عامًا ويشكلون مستقبل المملكة بكل معاني التوصيف فتأهيلهم وتعليمهم هو بهدف أن يكونوا العمود الفقري بالاقتصاد الوطني لكي يشكلوا الكتلة البشرية الرئيسة ليتحملوا مسئولية الحفاظ على مكتسبات الاقتصاد الوطني وتنميته وتقليل الاعتماد على العمالة الوافدة من خلال توفير فرص العمل لهم وذلك باعتماد مشاريع قدرت تكلفتها عند 265مليار ريال مما سيوفر فرص عمل واسعة إضافة لاعتماد تشغيل المشاريع التي تم إنجازها وما ستضيفه الميزانية من فرص عمل بالقطاع الحكومي فالإنفاق ارتفع بتقديراته عن العام المالي الماضي بأكثر من خمسة وعشرين بالمائة بينما بقيت تقديرات المشاريع المعتمدة مقاربة للعام الماضي بزيادة تسعة مليارات فقط. وهذا يدلل أن جلّ الزيادة بالإنفاق لهذا العام هو لتوفير فرص عمل بالأجهزة الحكومية مع الأخذ بعين الاعتبار أن بند الرواتب ارتفع عن العام الماضي بسبب رفع الحد الأدنى لرواتب الموظفين الحكوميين لثلاثة آلاف ريال وكذلك تعديلات سلم الرواتب لكافة القطاعات وإضافة بدل غلاء المعيشة ليكون جزءًا من الراتب الأساسي للموظف وبذلك فإن الميزانية تزاوج بين التأهيل والتعليم وفتح الفرص الوظيفية بالقطاعين الحكومي والخاص مما يعني أن معدلات البطالة يفترض أن تشهد تراجعًا كبيرًا لهذا العام خصوصًا أن هدف خطة التنمية الحالية أن تخفض البطالة إلى خمسة بالمائة بنهايتها من مستوى يفوق عشرة بالمائة حاليًا.
كما تهدف الميزانية لاستكمال رفع حجم الإنتاج بالاقتصاد المحلي لمواجهة الطلب الداخلي المتنامي والذي يرفع من معدلات التضخم بسبب تأثير التضخم المستورد نتيجة تراجع سعر الدولار وقد رفعت الحكومة من حجم الإنفاق على البنى التحتية بكافة المناطق التي تتركز فيها المدن الصناعية ودعمت صناديق التمويل الحكومية بهدف دعم الاستثمار المحلي والأجنبي لتحقيق عدة أهداف أيضًا منها دعم ما تحقق بالقطاع الإنتاجي المحلي خصوصًا أن السلع المنتجة محليًا حققت معدل نمو قارب 15بالمائة وحجم صادرات بلغ 153مليار ريال أي قرابة 6بالمائة من حجم الناتج الوطني الذي فاق تريليوني ريال لأول مرة وستحقق عملية دعم توسيع الإنتاج الصناعي مرحلة من مراحل الإستراتيجية الصناعية الوطنية وستلعب دورًا رئيسًا بفتح فرص العمل أيضًا، كما أن اعتماد المبلغ المخصص لمشروع الإسكان الضخم الذي صدر بتوجيه كريم من خادم الحرمين الشريفين من فائض ميزانية العام الماضي يظهر بشكل جلي تركيز الميزانية على سد فجوة الطلب الكبير على السكن من خلال أيضًا توسيع حجم تغطية البنى التحتية والخدمات بكافة المناطق وذلك بهدف تهيئة البنية الخدمية للوحدات التي سيتم بناؤها من قبل وزارة الإسكان وكذلك توسيع الفرص للقطاع الخاص للدخول باستثماراته بشكل وتوسع بسوق الإسكان.
الميزانية ليست أرقاما فقط بل أهداف تنموية واقتصادية واجتماعية عديدة يتم العمل على تحقيقها من خلال تقدير الاعتمادات المالية الملائمة لتنفيذها وتحقيق أهداف تنموية وإستراتيجية معتمدة سواء بخطط التنمية أو الإستراتيجيات الحكومية المعتمدة بكافة الأجهزة الحكومية وتفعيل دور القطاع الخاص والمواطن والانعكاس على رفع مستواه المعيشي ويبقى الدور للأجهزة الحكومية المسئولة عن مشاريعها وكذلك دور الأجهزة الرقابية المسئولية الكبرى في تحقيق أهداف الميزانية وتطلعات القيادة واحتياجات الوطن والمواطنين.