على مدى عام ونصف العام من عمر هذه الزاوية، وأنا أستقبل اتصالات ومراسلات القراء، عبر جميع الطرق، موقعي الشخصي وبريدي الإلكتروني وصفحاتي في الفيس بوك وفي تويتر، صحيح أنني كنت أتفاعل مع مشاكلهم وشؤونهم الشخصية، إما على مستوى الخدمات من تعليم وصحة وبلديات، أو على مستوى التوظيف وما شابه، فأنصت جيداً كنت، ثم أحاول أن أعبر بلسان هؤلاء عمّا يعانونه وما يعيق حياتهم لكي تسير بشكل طبيعي.
لكنني خلال عطلة الأسبوع الماضي، وحتى لحظة كتابة هذا المقال، لم أعد أحتاج إلى أن أسمع حالة هؤلاء ومعاناتهم، لأنني أصبحت شخصياً في قلب الأزمة، تلك الأزمة التي تجعلك تتوقف حائراً لا تعرف كيف تتصرف، تلك الأزمة التي تجعلك تحاول أن تفهم، كنت طوال هذه الأيام الثلاثة العصيبة أحاول أن أفهم ما يجري، أطمئن نفسي وأواسيها، بأن القذف بي في قلب العاصفة هو أمر غير سيئ، لأنني سأضطر إلى أن أفهم جيداً، فيستحيل مهما بلغت فطنتي وخيالي، أن أستوعب شكوى مواطن حول قضية خدمية، ما لم أكن أنا في مكانه تماماً، وأرى كيف يصبح كل عائق أشبه بمتراس يمكن أن ينسف جيشاً، لا مجرد مواطن أعزل، لا يملك إلا ضعفه وقلة حيلته!
على سبيل المثال، وقبل عام تقريباً حاولت أن أستبطن ما يحدث في سوق العمالة الأجنبية، حينما شرح لي أحد أصدقائي ممن يعمل فعلاً في السوق، كيف تحوّل من مواطن إلى مجرد غريب أعزل في مجتمع سوق تجزئة تتحكم به العمالة البنغالية والهندية، صحيح أنني دوّنت منه معظم الملاحظات، لكنني حينما قابلته قبل أسبوع، اكتشفت أنني لم أفهم إلا القليل جداً مما يحدث على أرض الواقع، خاصة بعد فكرة نطاقات وزارة العمل، فأخبرته أن وزير العمل كان قد جمعنا في رمضان الماضي، ككتّاب صحفيين، وشرح لنا شرائح النطاقات وتطبيقها، فأجاب بأنه لو جمع من هم في السوق، يعانون مما يحدث، ويصطلون بناره، لكان أجدى (لو دعانا نحن لكنا أبرك منكم!) هكذا قال، وقد صدق.
أقول بأنه صدق في مقولته، لأنني اليوم أشعر أنني أبرك منّي قبل أسبوع، فقد كنت أكتب عن قطاع الصحة من خلال ما يرد إليّ من مشاكل المواطنين وأحلامهم وآمالهم، لكنني الآن وقد زُجّ بي في مأزق صعب، وأصبحت أبحث عن مخرج لأمي، شفاها الله وألبسها عافية من عنده، حيث لم تزل في غرفة العناية المركّزة، بدأت أفهم كيف تسير الأمور في بعض المستشفيات، صحيح أن الله سبحانه أرسل لي من ذلَّل الكثير من الصعوبات، جزاه الله خيراً، وجعل ذلك النبل والخير في ميزان حسناته، إلا أنني أجزم أن أعلى القيادات في البلد، سواء في الصحة أو التعليم أو المدنية، وغيرها، كما يسعدهم أن يشكرهم الآخرون على ما يبذلونه من جهد وتطوير، فإنهم يسعدون أيضاً بمن يكشف لهم مواطن القصور والخلل في الأداء الخدمي، خاصة إذا كان من واقع تجربة، إذ قد يفيد ذلك بمراجعة الأداء، وربما صدور قرارات إجرائية بسيطة تحل كثيراً من المشاكل العالقة للمواطنين.