2011 كـــان عاماً لا يشبه أي عام, عام هو تاريخ قائم بذاته, سنة لم تعد بعدها الحياة هي نفسها ولا العالم نفسه, كل يوم مرّ بها حمل حدثاًً وخبراًً يؤكد مرة بعد مرة أن «لكل زمان دولة ورجال» وأن «دوام الحال من المحال», في هذا العام تسمّرت أعين الناس المصدومة من هول الأحداث ومفاجآت الأقدار غير المفهومة أمام الشاشات.. سنة تستحق بها (كاميرا الجوال) جائزة أفضل اختراع، حيث لولاها لما وصلت صرخات المقهورين واحتجاج الغاضبين الجائعين إلى العالم, سنة تعودنا فيها أن نتابع الأخبار والتقارير التي كتبتها عيون كاميرات المتظاهرين متواضعة الجودة صاخبة الحدث, الذين أصبح البعض منهم هو المراسل والصحفي وأحد المتورطين بشغف بمهنة المتاعب.
هذا العام الذي ومنذ أول يوم فيه أكد أنه عربي بامتياز أعاد المعنى والقيمة للأغنية التي يقول مطلعها «عربي أنا.. اخشيني» حيث أدار العالم وجهه عن أي شيء ووقف بذهول ورهبة أمام أحداث العالم العربي التي كانت وما برحت تحبس الأنفاس. فهؤلاء الحكام الذين استمرأوا الظلم والطغيان, وتشربت أقدامهم وأيديهم فعل الظلم والقتل في سبيل المحافظة على عروشهم الوثيرة, سقطوا وكل واحد منهم يتفوق سيناريو رحيله على الآخر خزياً وسواداً , نار «البوعزيزي» التي كانت تشتعل في قلبه وروحه فتحرق كرامته وآدميته لم يرها أحد, فسكب الوقود على نفسه وأشعل عود الثقاب لتنطلق النار في جسده ومنها إلى كل أرجاء تونس التي أصبحت حمراء منذ ذلك اليوم.. هذه الحادثة تحديداً كانت التفاحة المسمومة التي أخرجت الطغاة من الجنة, فنسج لكل واحد منهم مصير لم يخطر على بال ألمع مخرجي هوليوود.
عام أحمر بكل المقاييس ابتدأ بنار وانتهى بدم ما زال ينزف في عروق سورية. فكيف نحن بعد هذا العام المرهق للأعصاب؟ هل ما زلنا نشبه أنفسنا؟ هل انتصرنا أم هزمنا؟ والأهم هل تعلمنا؟ كيف سنصف لأحفادنا هذا العام المتخم بالوقائع والزاخر بالمجهول.. أعتقد أن هذا العام ربيعاً كان أم خريفاً ليس سوى انطلاقة للإنسان العربي بعدما هدم أسوار الخوف شاهقة الارتفاع التي بنتها الأنظمة فسجنت نفسها بنفسها وخلقت بها عزلة بينها وبين شعبها, فكانت نهايتهم ساحقة الانخفاض وأصبح يعرف الشعب أن الحرية ثمينة جداً لذلك فإن بعض الأبطال يموت في سبيلها ليحيا البقية تحت ظلالها. ألم يقل غاندي يوما: (إن الطريق إلى الحرية مفروش بالدماء).
أيها العام على الرغم من قسوة بعض أيامك التي سرقت منا أغلى الأحبة إلى الأبد, وخطفت من بين أيدينا أشخاصاًً لا نقوى على فعل الحياة من بعدهم فيترك هذا العام أثره في حياتنا إلى الأبد. ومهما مضت السنين وتوالت الأرقام ومزقنا أوراق التقاويم, سيبقى هو الأكثر وجعاًً لارتباطه بتواريخ أسست لها قواعد ألم في حياتنا, إلا أن هذا العام في المقابل حرك البحيرات الساكنة, واتسعت بحضرته دوائر التغيير, وجددت الدماء والأفكار والقناعات, حيث كان خير معلم وأستاذ لم يطل في شرحه النظري بل قدم لنا أمثلة حية على أن «الثابت» هو «المتغير» الوحيد في الحياة وأنه على الظالم الباغي تدور الدوائر، والأهم أنه كما قيل دولة كافرة عادلة تبقى ودولة مسلمة ظالمة تزول.
الأهم اليوم أن نستقبل العام الجديد بحكمة الذي تعلّم بعدما تألم والمؤمن الذي لا يلدغ من جحر مرتين, وبحرية الطير الذي لا يقبل بالأقفاص بعد أن ذاق روعة الأفق, كل شيء متوقع هذا العام ولا شيء خارج التوقعات فقط أرجو أن يكون أكثر حرية وأقل دماًً.. أكثر رفاهاً وأقل فساداً.. أكثر بياضاًً وأقل سواداً.. أتمنى أن تتفوق الكتب على البنادق وأن تحترق صفحات الجهل لا أجساد البشر, وتقشع أنوار الحضارة ظلام التخلف.. أتمنى أن يشعل هذا العام كل لاعن ظلام «شمعة» لتؤكد له أن كل ظلام الدنيا لا يستطيع أن يخفي نورها وكل عام وأنتم بخير.
Twitter:@lubnaalkhamis