قلت: «جمعني الــشيــخ العودة... بعلة الثمنية المطلقة والثمنية كونها مقياس للخدمات... لا ربا فيها...
وضربت له مثلا بأن الشمس حارة خلقة والذهب أصفر خلقة...»
واتخاذ الذهب لصفارة مثلا... فالعلة (المقاصد الشرعية المفهوم والوظيفة المقصد الثالث عشر...) فالربوبية...
بحديث تمر خيبر... واستحلالهم... حديث خيبر... والعرايا والقروض الربوية...
قولك: فاعتماد هذه العلة يلزم أن الفضة اليوم لا ربا فيها.
نقلت لك قبل ذلك إجماع الاقتصاديين على أن العملة الورقية هي وسيط التبادل ولا يوجد خلاف بينهم على صحة التعامل بالنقود الورقية بل جعلوها كالذهب والفضة تماما تتوافر فيه صفات النقد الجيد ولا داعي لإعادة هذا.
ومشكلتك القياس للنقود على الذهب والفضة وهذا غلط فالورق النقدي نقد قائم بذاته كما يقول الاقتصاديون فإن النقود الورقية تصلح أن تكون مستودعا للقيمة ومقياسا للأسعار ووسيلة للوفاء بالالتزامات ووفاء الديون.
وبهذا بطل قولك واستدلالك.
وقولك: «فالعلة الظنية كالثمنية لا تنقض الأصل بل هو دليل على بطلان استنباط العلة، كما قرر العلامة بن بية في كتابه «المقاصد الشرعية.. المفهوم والوظيفة» حيث قال: «المنحى الثالث عشر: أن العلة المستنبطة لا يمكن أن تلغي الحكم المعلل بها في حال تخلف العلة كالثمنية في النقدين بأن صار الذهب والفضة أو أحدهما غير رائج في الثمنية فإن ذلك لا يؤثر في أصل ربويتهما لأن الربوية منصوصة من الشارع متحققة فلا تكر عليها علة مستنبطة بالبطلان».»
فنقول هذا قياس مع الفارق والثمنية علة مقطوع بها مطلقا سواء حصرت في الذهب والفضة أم لا فالثمنية قائمة بذاتها لكن تحقيق المناط هل الثمنية موجودة في الذهب أم في الورق النقدي فتحقيق المناط هو الذي يختلف فيه العلماء لكن كل الناس قطعوا بثمنية الورق كما قطعوا بثمنية الذهب والفضة، إذاً الثمنية علة قائمة لذاتها مستقلة وهي متوفرة في الورق النقدي وأما الذهب فإن ضاعت منه الثمنية الآن إلا قليلا فبقي فيها الحديث عموما الذهب بالذهب وهذا ربا البيوع وما نتكلم فيه ربا الديون وربا البيوع باق والعلة مختلف فيها بين الفقهاء بين الاقتيات والادخار والطعمة والكيل والوزن وهكذا أما ربا النقود فهو من باب ربا البيوع ونقلك عن الشيخ ابن بيه منقوض بالنص والعلة. قال الرافعي: «فعن بعض الأصحاب أن الربا فيهما لعينهما لا لعلة والمشهور أن العلة فيها صلاح التنمية الغالبة وإن شئت قلت جوهرية الأثمان غالبا والعبارتان تشملان التبر والمضروب والحلى والأوانى المتخذة منهما وفي تعدى الحكم إلى الفلوس إذا راجت حكاية وجه لحصول معني التنمية والأصح خلافه لانتفاء التنمية الغالبة».وقد ذكرنا لك أن حرمة ربا الديون مما اتفقت الأمة عليه حتى الظاهرية المنكرة للقياس في الأصناف الستة اتفقوا على أن الربا يكون لأجل الثمنية لا لأجل القياس على الذهب فالعلة في ربوية الذهب لأجل الثمنية أو يبقى الحديث على عمومه وبعضهم حمله على الوزن لا الثمنية فمقصود الشيخ الكلام على خطأ من استبط أن الذهب حرم لأجل الثمنية بل لعلة أخرى والكلام عن الثمنية بأنها قائمة بذاتها مهما توفرت في أي شيء حرم وقد أجمعت المجامع الاقتصادية والفقهية على ذلك.
قولك: «الشيخ سلمان بالاستشهاد بعدم ربوية الحلي عند بن تيمية لإنها خرجت عن الثمنية رغم أن الذهب كان ثمنا آنذاك، فكيف اليوم والفضة قد خرجت مطلقا.»
أقول لك: الحلي مسألة أخرى حيث نص عليها بعض النصوص لم توجب الزكاة في الحلي لا زكاة فيه كقول ابن عمر ليس في الحلي زكاة (راجع سنن البيهقي) فقد عقد لها باب، وأما العلة فقد تكون لأجل الاستعمال وحاجة الناس ومسألة خروج الثمنية منها قول اجتهادي من العلماء هل الحلي منع من الزكاة أم لا فالنص مقدم على القياس ولو تحول الحلي لذهب أو نقود ذهبية عادت الثمنية فإما أن تكون من الشارع تخفيفا أو تكون لعلة أخرى فالعبرة بالنص فلو ورد نص آخر يوجب زكاة الحلي كما ورد في حديث فاطمة وحديث الأنصارية فصارت المسألة من باب تعارض إيهام تعارض النص ولذا قال جمع من الأفاضل في الحلي زكاة ولا يخفي مثل هذا على صاحب الفضيلة العودة، فكيف يكون القياس. قال ابن عبد البر: التمهيد لابن عبد البر ج20/ ص147» ما لم يكن حليا متخذا للبس النساء فإن كان حليا من ذهب أو فضة قد اتخذ للبس النساء أو كان خاتم فضة لرجل أو حلية سيف أو مصحف من فضة لرجل أو ما أبيح له اتخاذه من غير الآنية».
فإن العلماء اختلفوا في وجوب الزكاة فيه فذهب مالك وأصحابه إلى أن لا زكاة فيه وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وهو قول الشافعي بالعراق ووقف فيه بعد ذلك بمصر وقال «أستخير الله فيه» وروي عن ابن عمر وعائشة وأسماء وجابر رضي الله عنهم أن لا زكاة في الحلي وعن جماعة من التابعين بالمدينة والبصرة مثل ذلك وقال الثروي وأبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي في ذلك كله الزكاة وروي ذلك عن عمر وابن مسعود وابن عباس وعبد الله بن عمر وهو قول جماعة ابن عباس وسعيد بن المسيب والزهري وروي عنه عليه السلام بإسناد لا يحتج بمثله وقال الليث ما كان منه يلبس ويعار فلا زكاة فيه وما صنع ليفر به من الصدقة ففيه الصدقة». أما قولك: «فترك العلامة الأصولي النقاش من هذا الباب وقال على كل حال كل شيء بجنسه فيجري فيه ربا النسيئة. فلم أحاجه بالطبع ببطلان هذا بالاحتجاج بالفتوى عندنا (مئة متر قماش بمئتين بعد سنة جائزة) كما أفعل مع طلبة العلم هنا لإقناعهم، فابن بية علامة أصولي يُحتج بقوله أمام طلبة العلم من أجل فهم مسألة ولا يُحتج أمامه بقول عالم من أجل فهم مسألة. فقلت وما الفائدة من الحديث النبوي إذا كان كل شيء يجري فيه ربا النسيئة وما الفائدة من خوض العلماء في العلة وأبحاث الهيئات وقرارتها».
فمتر القماش بمترين بعد سنة ليس من باب الربا لا البيوع والديون، ولو صحت فيه الربا تنزلا فهذه فتوى فأين النصوص.فالذهب والفضة في الحديث بالنص ومن الأصناف فيهما فلا يجوز للنص عليهما كما جاء النص فلا يجوز فيها إلا التماثل والتقابض ويحرم فيهما التأجيل والنسأ.
أما قولك: «ومرة أخرى ساندني الشيخ سلمان في عدم منطقية القول بأن كل شيء بجنسه وزيادة ففيه ربا النسيئة، فترك العلامة الأصولي النقاش في هذا الباب أيضا وأخذ يستدل بالحكمة دون العلة وأخذ بسرد نظرة الاقتصاد الإسلامي عن الفوائد وبيع الأثمان وإلى آخر هذا. فشرحت له الحقائق الاقتصادية الحديثة التي تثبت أن كل هذا قد كان صحيحا في عصر الذهب ثم انقلب وأصبح عدلا ومصلحة. فتجارة الأثمان حفظا لها من التلاعب بعد أن كانت دمارا للأسواق. والفوائد أصبحت أداة تنظيم الدورات الاقتصادية بعد أن كانت ظلما. وكالبنوك المركزية أصبحت تتحكم في الاقتصاد لصالحه، بعد أن كان الذهب وهو جماد المتحكم بالاقتصاد».
هذا غلط منك والعودة فهذه قاعدة شرعية وهي نص الحديث فقال في الحديث مثلا بمثل يدا بيد حالا فهذا لفظ الحديث. إذا كان في الأصناف الستة أما إن قصد خارج الستة فكلام العودة صحيح وإلا فالخلاف دائر بين العلماء في العلة هل يقاس على هذه الستة أم لا وهذا في ربا البيوع هل يصح القياس أم لا لكن ربا الديون أوسع وأكثر الربويات الآن تكون 99 في المائة ربا الديون لا البيوع. فالكلام خرج عن قصده بينكم والشيخ.
أما كلام ابن بيه في تعليل الحكمة فالحكمة ليست علة. وكلامك عن الحقائق الاقتصادية فقد ذكرت مراراً أن الاقتصاديين خالفوك جميعا.
وأسألك هل الفوائد صارت مصلحة؟ هل الثمنية عدل والآن ظلم ونحن نقول نعم عدم اعتبار الثمنية في الأوراق النقدية ظلم فاحش لا يرضاه العلماء والاقتصاديون. وهل العُودة وافقك على أن الربا عدل والفائدة مصلحة وحفظ للاقتصاد.
د. محمد بن يحيى النجيمي