من البديهي أن طبيعة الحياة العسكرية تستوجب وجود قدر مناسب من اللياقة النفسية والتوازن الانفعالي، الذي يقود في غالب الأحيان إلى انصياع الفرد وارتفاع معنوياته؛ لذلك تعنى الجيوش الحديثة بالانتقاء السيكولوجي، أو أنهم بطبيعتهم يعانون اضطرابات في الشخصية، ونعني بالمثل الأخير القيادة النرجسية المستبدة التي تجد في السلطة الممنوحة لها وسيلة للتعويض عن مركبات نقص؛ فالعسكري في هذا الموقف يكون عرضة لعدوان نرجسي ظالم ومضاد يمارسه قائد غير سوي، يتخذ من الإذعان معياراً للانضباط، ويرفض أن يتعامل مع الفرد إلا على أساس الاستسلام لسلطان نوازعه ونرجسيته.
أما القائد الناجح فهو الأب والأخ لجنوده، والسلطة عموماً تغرس فيه مفاهيم الود التي تسعى المؤسسة العسكرية إلى تنميتها في نفوس أمثاله.
إذن، هناك عوامل تلتصق بالحياة العسكرية، وتكون السبب للاضطراب النفسي عند بعض الأفراد. وهذه العوامل تشمل:
- الجبرية على العيش الجماعي في «بركسات» ومضاجع جماعية.
- القيود المفروضة على الحرية الشخصية.
- رتابة ونمطية النوم والطعام والتدريب.
- الحرمان الجنسي للمتزوجين.
أما فيما يتعلق بعوامل الاضطراب النفسي التي يتوجب أن يعالجها القائد الناجح فهي محاولة استدراج الفرد إلى فهم الحياة العسكرية والتكيف معها، وأن يعمل على تبديد مخاوف القتال من المعركة لهؤلاء الذين يفتقرون إلى معرفة ظروف المعركة، ولم يعيشوا في أجوائها، والخوف بصورته البيولوجية يحدث تبدلات كيماوية، أهمها زيادة إفراز الأدرينالين وارتفاع التوتر الشرياني وسكر الدم، وكل ذلك لتهيئة العضوية للفاعلية والتأهب لمواقف الخطر الذي يهدد العضوية. هذه التبدلات البيوكيماوية تشحن الجسم بالطاقة الكبيرة رغم الإنهاك الجسمي الذي يغذي الجندي، وعلى ذلك يظهر في خطوط القتال الأمامية خاصة ما يسمى «بصدمة الموت»، وتتعاظم نسبة الإصابات النفسية القتالية في الأحوال عند بعض العسكريين الذين يرون أصدقاءهم يُقتلون.
إن هذا التفاعل بين القائد ومرؤوسيه هو بلا ريب سر القيادة الناجحة، وأحد العوامل المهمة لتحقيق النصر في المعركة، والزخم الكبير الذي يمنحه القائد للأفراد في تحمل شدة القتال وظروفه ومخاوفه.
التفاتة: الحماسة بركان لا تنبت على قمته أعشاب التردد (جبران خليل جبران).
- الرياض