ما من شك أننا إذا تحدثنا عن إبداعات العقل البشري في هذا العالم... فلن تكفي مئات الصفحات للوقوف عليها... ومهما تحدثنا عن إسهامات الإنسان في مختلف أصقاع الأرض عن جُلِ الإبداعات والاختراعات والاكتشافات.... التي أسهمت وما زالت تُسْهم في بناء حضارة الكون فإننا نُرجع ذلك إلى تضافر جهود عقول البشر التي قدمت للإنسانية كتلة من الإبداع العلمي عبر حلقات تبادلية تمازجية وحضارية... كان منطق الحكمة العلمية وأسلوب العمل التجريبي هو المعيار الأساسي لها.
ومع ترقي الإنسان في مدارك المعرفة... طور عالمه وطوعه لما يُحقق السعادة له... فتوالت إفرازات العقل البشري بكل جديد مثيرٍ وعجيب يبهرنا فنقف مشدوهين أمامه.. ولم يقتصر إبداع العقل البشري داخل حدود العالم الأرضي فقط.. بل كان التطلع إلى الأبعد والأبعد.. إلى الفضاء الخارجي الرحب.. إلى مساحات الكون الفضائية وظواهرها.. إلى الأجرام السماوية حسب مواقعها وبمختلف مسمياتها.. فكان غزو الإنسان للفضاء للتعرف على كنه وعظمة هذا الكون.. وروعة انتظامه عبر حلقات متماسكة مترابطة ومستمرة... مشكلاً أقوى وأكبر اكتشاف في تاريخ البشرية حتى الآن... ومع ذلك كله ما زال العقل البشري مستمراً في التطور والإنتاج والإبداع.
لكن وفي ظل هذا التقدم الهائل في العقل البشري الذي جسد كماً من الإنجازات والاكتشافات... لم تسلم مسيرة الإنسان من انتكاسات وَلّدتْ خللاً في مصدر الإبداع البشري المتمثل بالعقل... وهذا ما بتنا نلاحظه عند بعض المجتمعات العربية ويمكن الوقوف على ذلك من خلال تتبع نقطة الضعف التي يبدأ منها بعض العاجزين... ممن تراكمت همومُهم، واشتدت مصائبُهم فضعُفت قدرتُهم... فراحوا يبحثون عن مخارج لهم.. فكان أقصر طريق هو التعاطي مع الدجل والشعوذة والتنجيم.. والتعامل مع أولئك الذين يتسترون بغطاء الدين ظاهريا... وفي الباطن يمارسون الدجل والتنجيم...وتمرير الخرافات والأباطيل... على أذهان كثيرٍ من ضعاف النفوس الذين غابت عنهم المناعة الدينية... وسيطر على عقولهم الجهل العلمي.
وللأسف... بداية كل عام ميلادي جديد... يُمثل موسماً نشطاً للتنبؤات والتنجيم والبحث عن المجهول الذي هو في علم الغيب فتزدحم الكثير من القنوات الفضائية بأولئك الذين يحشرون أنوفهم في كل مكان.. وبدون أي درايةٍ علمية.. أو منطقٍ عقلاني مبني على أسس العلم التجريبي والمعطيات الواقعية... تُفرد لهم مساحاتٌ واسعة لاستغلال سذاجة البسطاء والجهلاء فتنهال التنبؤات... فمن قائلٍ منهم إن مجرة ما ستسقط في باريس... ومن قائلٍ إن فلاناً من القادة سيموت.. أو أن نهاية العالم ستكون في عام كذا.. إلى آخر يقول إن الكون سيغرق في البحر.. وهلم جرا من خرافاتٍ تبقى متداولة تلوكُها ألسنة البشر على مدار العام.
الإسلام والعلم... يُنكر وينفي ولا يعترف بهذه الأقاويل المبنيةعلى الدجل والتنجيم والتنبؤات الوهمية الخيالية..بل ويُحذرمنها ولكن لا يمكن أن ننكر بأن العلم جنح في مرحلته الحديثة للإعتراف بوجود أصول علمية تدورحول علم الفراسة..والتوقع المبني على التحليل الدقيق وفق أسس علمية تجريبية من واقع أحداث ومشاهد تحدث كثيراً وقد يكون للحاسة السادسة أوما يُسمى بالحدس الذهني دورٌ أكبر في ذلك. فهذه الحاسة موجودة علمياً وفعلياً ويمتلكُها من يتمتع بمستوى عالٍ من الواقعية الذهنية..والتفكير القريب من العلم.
إن من أساسيات العقيدة الإسلامية التي لا يمكن أن نحيد عنها... أن نؤمن بأن علم الغيب هو مما استأثر الله به نفسه دون غيره.. ولا أحد من البشر قادرٌ على العلم به.. لكن الملاحظ أن هذه الظاهرة انتشرت في المجتمع العربي عبر الغزو الفكري والزخم الإعلامي المروج لها... واستفحلت كثيراً في عصرنا الحالي... وغدت السوق رائجة والبضاعة مرغوبة... يتهافت عليها الكثير.. يولونها اهتماماً ويمنحونها صدقاً... لذلك وحتى ينشأ التفكير العلمي صافياً لا مجال فيه للخزعبلات والخرافات ودون أن تكتنفه الموروثات الخاطئة... وحتى تتجنب المجتمعات خطر هذه الظاهرة التي تحولت إلى مصائد للمغفلين الذين يعيشون وسط مستنقعات الأفكار التائهة.. وفرصة للذين يعتاشون عليها نتيجة جهل من يلجأ إليهم ويستعين بهم.. فيستغلونهم ويسلبون أموالهم... ويفسدون عقائدهم.. لا بد من التصدي لها وبكل قوة لأن ثوابت الحق لا تحتاج إلى دجالٍ أو منجم ليعرفنا بها... (وكذب المنجمون ولو صدقوا).