حملة حكومية بريطانية لحث البريطانيين والمقيمين في بريطانيا على تغيير نمط غذائهم. ولهذا الغرض تم توزيع ما يزيد عن أربعة ملايين منشور. وستستمر هذه الحملة مدة طويلة خلال هذا العام. وما كان الدافع للحكومة البريطانية للقيام بهذه الحملة المفيدة سوى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتجاوزها حدود إمكانيات بعض العائلات البريطانية، رغم أن عوامل أهم بكثير من ذلك يمكن أن تكون دافعاً كبيراً لحملة كهذه، وعلى رأسها الصحة، ثم الصحة، ثم الصحة.
لقد ارتكزت الحملة الغذائية المذكورة على أن الكثير من العائلات البريطانية يمكنها تغيير نمط غذائها، وأساليبها المتبعة في إحضار الطعام، وذلك بتناول وجبة أقل تكلفة مع فوائد صحية كبيرة، ويمكن تحضير وجبة غذائية من أربعة عناصر أو خمسة فقط، لتكون لذيذة الطعم، عظيمة الفائدة.
ويذكر علماء التغذية والمروجين لهذه الحملة أن بإمكان عائلة مكونة من أربعة إلى خمسة أشخاص تناول وجبة مفيدة وكافية بما لا يزيد عن خمسة جنيهات، باستخدام الخضروات الموسمية وشيء من البقول والمحاصيل، وتجنب اللحوم بأنواعها الحمراء والبيضاء لعدد من الأيام في الأسبوع. وبهذا يمكن للأسر البريطانية الاستمتاع بطعام مفيد وكافٍ ورخيص. فهل يا ترى يكون لهذه الحملة صدى؟
ما دفعني للكتابة عن هذا الموضوع الذي قد لا يراه بعض الناس جديراً بالتنويه، هو أن الإنسان أينما كان قد لا يحتكم للمنطق في إشباع شهوات ذاته، حتى وإن كان في ذلك ضرر قد يصيبه. لكن ما أن يصل السيل الزبى، ويكاد أن يعجز عن توفير قوت يومه، يلتفت يمنة ويسرة للبحث عن مخرج يفلت من خلاله مما وقع فيه. وهو الإنسان أيضاً الذي قد يسرق في أكله لإشباع شهوة لا تستمر سوى بضع دقائق، وقد تجر عليه الكثير من المشكلات الصحية التي قد تحرمه من ملذات كثيرة في حياته.
الطعام أصبح مشكلة العالم في حال توفره وعدم توفره، فأولئك الذين لا يقدرون على ملء بطونهم بأي نوع من الغذاء قد يموتون جوعاً أو من سوء التغذية، بينما يعيش عالم آخر في تخمة مفرطة، وعادات غذائية سيئة.
وحلت مشكلة ارتفاع أسعار المواد الغذائية على الساحة العالمية لتجعل العالم المبتلي بالتخمة يفكر تفكيراً جاداً في تغيير نمط غذائه لعله يتجاوز محنته المالية ليعود لعاداته الغذائية السيئة.
في الولايات المتحدة الأمريكية يتجاوز المصابون بداء السمنة نحو 50%، وفي دول الخليج ربما تزيد هذه النسبة، وكلا المجتمعين لديهما القدرة المالية على شراء ما يشتهون من الغذاء بغض النظر عما يحويه من مواد وما يجلبه من مآسٍ.
كم هو محزن حقاً أن من يقدر على شراء الخضروات المتنوعة، والفواكه اليانعة والمحاصيل والبقوليات الطازجة يهجرها ليجعل صلب غذائه سماً قاتلاً متمثلاً في الدهون الحيوانية والزيوت والسكريات وإفراط في النشويات، رغم أن من اليسير عليه أن يغير من نمط غذائه رويداً رويداً ليكون متوازناً فيعيش في صحة جيدة وراحة بال.
أعجب لمن يسر الله عليه، ومنحه الاختيار والقدرة على تناول ما يشاء فيمد يده إلى ما يضره لا ما ينفعه، في وقت يرى غيره قادراً على عمل توازن في غذائه، ومع هذا فهو يضعف أمام كمية من الحلويات أو الأجبان أو النشويات، وبعد أن تقع الكارثة -لا سمح الله- يندم حيث لا ينفع الندم. ولعلنا نرى بأم أعيننا ذلك البون الشاسع بين القادر على رد شهوته ومن هو غير قادر.
أدام الله علينا نعمة الصحة والعافية، ورزقنا التبصير وسلوك الحق في العبادات والمعاملات والمأكل والمشرب.