كان مترددا وهو يحزم حقائبه
بدأ بحقيبة واحدة وانتهى بسبع
لم يبد له الأمر منطقيا
اختصر السبع الى ثلاث
والثلاث الى اثنتين
والاثنتين الى واحدة
هكذا شعر بالرضا
وهو يعيد جرد أولوياته!
سأحمل العراق كله في هذه الحقيبة
لدي من الوثائق ما يثبت ملكيتي لهذا الوطن
سأستخرج له جواز سفر إن لزم الأمر
لا أعتقد أن موظفي الحدود سيعترضون
انني لا أهرب من هذا الوطن ولا أهرّبه
انني أحمله معي حيث رحلت
خوفا على أنهاره أن تجف
ونخيله أن يتهاوى
وكبريائه أن يذل!
ماذا لو ارتاب الناس في المطارات البعيدة؟
ماذا سيظنون حين يرون رجلا يحمل وطنا في حقيبة
كيف أقنعهم أنني لا أهرّب هذا الوطن
دعني أفكر في الأمر ثانية..
هكذا قرر المهاجر أن يحمل:
من الأنهار أعذبها
ومن النخيل أطوله
ومن الوجوه أكثرها ألفة
ومن الصداقات أعمقها
ومن الذكريات أجملها
ومن نفسه أشد ما فيها قوة!
حين انتهى من ترتيب أولوياته،
حمل المهاجر حقيبته وانطلق عابرا:
الوجوه والدموع والنشيج
الدعاء المر والصلاة الراجفة
العناق الذي لم يرد أن ينتهي
الشهقة التي كادت أن تدمر هيكل الحلم
الأمنيات التي سدت عليه الطريق
والحدود والشوارع والفنادق
الوحشة والضوضاء والخوف
الإقامة والرحيل والجوع
الاتجاهات المتقاطعة في يقينه
هذا مطار جميل
تلك طائرة فارهة
هذه سفينة
هذا بحر
يا الله إنني أكاد أصل!
قبل أن يضع قدمه في السفينة
اشترط عليه ربانها أن يتخلّى عن حقيبته
لم تجد توسلاته وتوضيحاته نفعا
إنها مسألة أولويات بالنسبة للمهرّب
رمى المهاجر حقيبته في البحر
وصار عاريا الا من ظلّه
لقد بكى بمرارة
وهو يرى البحر يلتهم أولوياته
الواحدة تلو الأخرى!!
فضل خلف الجبر - من ع الشمري
fadeljabr@gmail.com