وأنا أكتب هذا المقال تداعت إلى مخيلتي بعض الأناشيد الوطنية التي ما زال صداها يتردّد في جنبات هذا الوطن المعطاء، ومن هذه الأناشيد تلك التي تقول كلماتها:
الله الأول وعزك يا الوطن ثاني
لأهل الجزيرة سلام وللملك طاعة
من بان عبد العزيز وصبحنا بان
ما عاد نقبل ظلام الليل لو ساعة
وأرى في هذه الكلمات على بساطتها الدستور الذي بنينا عليه بيعتنا لآل سعود بدون استثناء، إنني هنا أوجِّه رسالتي لكل من يحاول أن يعزف على وتر المزايدات على وطنية غالبية الشعب السعودي، الشعب السعودي لم يفق فجأة على آل سعود، الشعب السعودي بايع بإرادته الملك عبد العزيز الذي بدوره عاهد الله أمام شعبه على السَّير قدماً تحت راية لا إله إلاّ الله محمد رسول الله، وهو بذلك وضع الدستور الذي ارتضاه الله سبحانه وتعالى لعباده ببعثة المصطفى محمد بن عبد الله النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، فكانت علاقة الحاكم بالمحكوم منذ البداية محكومة بشرع الله بشكل واضح لا لَبْس ولا خلط فيه، فخاض معه هذا الشعب العظيم وتحت راية التوحيد، حرب التحرير الطويلة ضد الظلم والجهل والمرض والفقر، وطبيعياً كانت حرباً ضروساً لا هوادة فيها ولا خط رجعة لها، فإما الحياة وإما الرّدى، وعندما انتصر الملك عبد العزيز ومن ناصره ووالاه من المؤيدين والمريدين، ودانت لهم البلاد والعباد طواعية لا إكراهاً، بدأ المشكّكون وهم فئة على مر التاريخ لا همّ لهم إلاّ محاربة نجاحات الغير، والتشكيك في نوايا الآخرين بغية القفز على المنجزات بكل وقاحة وانتهازية، على مرّ تاريخ هذه المملكة العريقة، لم تسلم يوماً من الانتقاد بسبب أو بدون، المهم أنها على مرمى حجر من أعدائها بل وحتى من بعض من يدّعي محبتها ولكن الشيء الجميل في المملكة العربية السعودية هو العلاقة الحميمية التي ربطت الآباء والأجداد بالملك عبد العزيز، وبمن خلفه من أبنائه في الملك، هذه العلاقة استطاعت أن تذيب أسوار العلاقة الرسمية لدرجة جعلت من الملك والداً وراعياً في نفس الوقت، ومن الشعب أسرة ورعية، فكانت علاقة قائمة على الاحترام والتقدير والحب، وهذه المسألة هي سبب الإشكالية عند البعض، فهذا البعض لا يتخيّل أنّ علاقة الراعي بالرعية هي علاقة أبوية، لأنّ المقاييس عند هذا البعض قائمة على العلاقة التعاقدية، بمعنى بكم من المال تريدني أن أحبك، أي كم تعطيني مقابل حبي وتأييدي لك، ومن هذا المنطلق نصب البعض نفسه مدافعاً عن حقوق هذا الشعب، ومصلحاً لهذا الشعب، ومنقذاً لهذا الشعب، وكل هذه الوصاية التي فرضها على هذا الشعب بتخويل ضمني ربما رآه في المنام، أو تخيّله عبر سلسلة أحلام اليقظة التي تراوده من حين لآخر، وعلى ضوئها تكوّنت لديه قناعة تامة بفرض هذه الوصاية، ويا ليت من يتعاطى مع الشأن السعوديكلف نفسه عناء السؤال عن سر العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ليعرف أنها من النوع الأبوي، فعلى سبيل المثال من أخرج الآلاف إلى الشارع لاستقبال خادم الحرمين الشريفين بعد عودته من رحلته العلاجية وبدون مقدمات أو تكلُّف، الأمور هنا تدار بعفوية، الكل يريد أن يطمئن على والده، ليس أكثر، والشيء نفسه حصل مع سمو الأمير سلطان بن عبد العزيز - رحمه الله وأسكنه فسيح جناته -، فرح غامر في استقباله، وحزن إلى درجة العويل عند وداعه لمثواه الأخير، الكل فَقَد سلطان، الكل حزن على سلطان، دموع، نحيب، أسى، ولكن الكل يؤمن بأنّ الحياة ما هي إلاّ رحلة قصيرة والكل يردِّد:
وما المال والأهلون إلا ودائع
ولابد يوماً أن ترد الودائع
ومن هنا فإنّ شبكة العلاقات التي تربط أفراد المجتمع السعودي بالأسرة الحاكمة، هي من النوع الوشيج، ولذلك تجد هذا الاستقرار السلمي، الذي هو مثار تساؤل دول عظام، فليس من الممكن بل من المستحيل في ظروف يمر بها العالم وتغيّرات هي أشبه بالزلزال، لا زال هناك من يعتبر الحاكم والداً، ولكن السؤال هل عشت في المملكة العربية السعودية؟ جرّب وستعرف الجواب، ولن تتفاجأ لأنك ستصل بإذن الله إلى ذات النتيجة التي نعيشها نحن أبناء السعودية واقعاً، وعاشها الأجداد والآباء من قبلنا، وبدون حساسية أو شعور بالضعف أو المهانة، بل إنّ الجميع وبكل أريحية يتسابق لإرضاء ولي أمره ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ثقة منه بأنّ طاعة ولي الأمر إنما هي واجب مقرر شرعاً، ولا حاجة للخوض في هذا الحق من جوانب فلسفية لا تفضي في النهاية إلا إلى التناحر والضغينة، والماضي والحاضر يشهدان بذلك، ولعل من عاش في حقبة ما قبل الملك عبد العزيز وقدّر له أن يروي لأحفاده كيف كانت الحياة قاسية وكيف كان الأمر هو الهاجس الأول والأخير الذي لم يتحقق إلاّ بفضل من الله على يد الملك عبد العزيز، ولعل البعض أيضاً ينغّم على وتر الإصلاحات ومظاهر الفساد في بعض الإدارات وبعض المشاريع، وهذا من وجهة نظر المجتمع منكر يجب شرعاً المطالبة بإزالته، ولكن ليس من باب الفتنة والتغرير بالعوام للخروج بمسيرات أو مظاهرات غوغائية هي أشبه ما تكون بطقوس العصور الحجرية، وإنما من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، فهو خليفة الله في أرضه وخليفة رسوله وخليفة كتابه)، بل إنّ البيعة التي في عنق كل مواطن لخادم الحرمين الشريفين وباقي ولاة الأمر، تحتّم على الجميع أن لا يصمت عن الحق حتى لا يكون شيطاناً أخرس، وسوف نستمر في مطالبة أولياء أمورنا بكل وضوح وبكل حرية، ولن يتوقف قطار الطلّبات والنصح لأنّ الإيمان الحقيقي هو الإيمان القائم على النُّصح، وليس ذلك الإيمان الخائف الجبان القائم على تتبُّع الأخطاء، وإثارة الفتن، نريد أن نكون أحسن الشعوب من حيث الدخل ومن حيث الخدمات، ولدينا الموارد ولله الحمد، ولدينا الإرادة الصادقة، ولدينا القيادة المتفهّمة لظروف المرحلة التي يمر به العالم، لعلِّي أذكر فقط بأنّ كل الشعب السعودي لا ينسى النعمة التي لولا فضل الله وتوفيقه، وهمّة الملك المؤسس وأبنائه ممن خلفوه على الحكم، ما تحقت وهي نعمة البلد المسلم الصرف على وجه البسيطة، لا راية تعلو لدين في السعودية إلاّ راية الإسلام، وهذه النعمة توّجت بخدمة الحرمين الشريفين أطهر بقعتين على وجه المعمورة، وها هي اليوم تقف في مصاف معجزات العالم المعمارية، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم، فلا يتخيّل أنّ يعبد في هذه البلاد إلاّ الله سبحانه وتعالى وحري بها أن تسلم من كل شر بإذن الله، وهي تحكم بشرع الله منذ تأسيسها وهذه هي مقومات السعادة والرخاء في الدنيا والنجاة بإذن الله في الآخرة من هول يوم عظيم، وسوف لن يكون طريقنا ممهداً ومفروشاً بالورود، ولكن بالعمل الجاد الدؤوب وبإخلاص النية للعمل ونكران الذات، وقد تعلّمنا ممن سبقونا أن نتحمّل وخز الشوك لكي نقطف الورد، وأختم بقصيدة تصف حالنا الذي ننعم به، وينعم به أبناؤنا، في الوقت الذي لا يعلم به من تصدّى للشر وزرع الأحقاد، أوردها عسى ولعلّ أن يفيق البعض من أحلامه، تقول القصيدة:
يسعد الله ديرتي صبح ومساء
يسعد الله شعبها في كل يوم
يا عساك بخير يا داري عسى
يا عسى عزك على الدنيا يدوم
دام (عبد الله) على ملكك رسى
إبشري يا ديرتي بزين العلوم
أنت في قلبه وعنك ما نسى
حبك اللي واضحا مثل النجوم
حبك اللي واضحا
حبك اللي واضحا
حبك اللي واضحا
مثل النجوم
مملكتنا يا الحبيبة يا غلا كل القلوب
فيك مكة وفيك طيبة توصلك كل الدروب
أنتي كل الحب فينا وحنا في حبك نذوب
عاشقينك يا بلادي في الشمال ومن الجنوب