قلّ من الناس من يدفع الشر بالشر، والتشارر والمشارّة لا تأتي بخير إنما تنافي الصداقة والمصادقة التي ينشدها الكثير من الناس ويلتمسون الطرق المؤدية إليها ولو بأتفه الأشياء، لأنها مبدأ من مبادئ الأمن النفسي ومنهج من مناهج الحياة السلمية التي يتقرر مع قيامها ووجودها التآخي والترابط الاجتماعي، والتآلف الأسري.
والحكيم من الناس من يدفع الشر عن نفسه بأغلى ما يملك، فما بالك إذا كان الشر يبعده، أتفه الأشياء التي يملكها الإنسان، ولكن متى يقنع صانع الشر بالشيء اليسير ليتخلى عن سوء نواياه وما تمليه عليه نفسه من الفتك بغيره سواء بالقتل أو بالاستيلاء على ما يملكه. ويختلف في هذه المعادلة الإنسان والحيوان، فالإنسان الشرير لا يهمه أشره إلا بقتل من يواجهه، أو سلب جميع ما بحوزته كما تحدثنا به سير صعاليك العرب، أما الحيوان المفترس فإنه ربما يقنع بما يقدم له وان لم يكن ساداً لرمقه، ومغنياً جوعه.
والشاعر الجاهلي تأبط شراً واسمه ثابت بن جابر بن سفيان بن عَمَيَتّلَ بن عدي ينتهي نسبه إلى مضر بن نزار، والمتوفى عام 80 قبل الهجرة النبوية الشريفة، ولسبب تسميته (تأبط شراً) حكايات كثيرة أوردها جامع ديوانه ومحققه وشارحه - علي ذو الفقار شاكر، وكون القليل من بعض الأشياء يدفع كثيراً من الشر ويقي من الهلاك فإن تأبط شراً قد أطعم ذئباً نعله المصنوع من الجلد وكان الندي قد بلله وصار له رائحة فتحت شهية الذئب فأخذها وولى بها كغنيمة اغتنمها ولم يطمع بتأبط شراً وفي ذلك قال تأبط شراً:
طرحت له نعلاً من السبت طلّةُ
خلاف ندىً من آخر الليل مُخْضِلِ (1)
فولى بها جذلان لينقض رأسه
كصاحب غُنم ظافر بالتّمَوُّل
وهذا مما يستدل به على أن القليل من الأشياء يدفع عن صاحبه الشر، وكم نزع التجافي عود سواك يقدمه أحدهم هدية للآخر فيصبح مفتاح تآلف، وفي الحديث «تهادوا تحابوا».
(1) المحضل: البلل الخفيف، والجذلان: الفرح.