نواصل الحديث عن مجلة ساينس، ونكرر بأن التقرير الذي نشر فيها لم يكن بحثاً علمياً محكماً، وإنما جزئية إخبارية تستند إلى الآراء الشخصية، ثم نتساءل: إذا كانت المجلة نشرت هذا التقرير الذي يشكك بجودة البحث العلمي بجامعة الملك سعود، فلماذا نشرت لها خمسة بحوث في عام 2011، ولم تكتف بهذا، وإنما نشرت نتائج إحدى الأوراق البحثية المنشورة باسم الجامعة على غلافها الرئيس، مع ما لذلك من دلالات ليس أقلها أصالة وجودة البحث العلمي بالجامعة وإقرار المجلة بذلك!.
ثم إن كاتب التقرير تواصل -أثناء إعداده التقرير- مع إحدى الجهات العلمية التي يعمل بها مجموعة من العلماء الحاصلين على جائزة نوبل، وطلب منهم إبداء الرأي حيال ممارسة الجامعات السعودية، وقد كان ردهم إيجابياً، فتجاهله ولم يشر له في التقرير من قريب أو بعيد، كما أنه ألمح إلى أن الدكتور خالد الرشيد استغل منصبه كمدير لبرنامج زمالة عالم ليضيف اسمه على أبحاث البرامج المشتركة، مع أن مجموع البحوث التي شارك فيها الرشيد هو 8 أبحاث فقط من مجموع 180 بحثاً تم إنجازها منذ بدء البرنامج!. أيضاً، فإن معد التقرير تواصل مع عدد محدود من أعضاء هيئة التدريس، ومع ذلك فقد صرح أحدهم وهو الدكتور عبدالقادر الحيدر بأنه تم اجتزاء تصريحه، ولم يُذكر فيه إلا ما يوافق هوى معد التقرير.
علينا ألا نحسن النية دوماً، ولا نضفي القدسية على كل ما يصدر من الغرب، فلكل حساباته، وعلينا أن نتذكر أن مجلة ساينس -ذاتها- سبق وأن نشرت مقالات أشد وأقسى عن الصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة وتركيا وغيرها، وسبق أن اتهم أحد علماء هذه الدول هذه المجلة بمحاولة تحطيم القوى العلمية الجديدة!. هل يعقل أن يخفى على معد التقرير أن من حق أي مؤسسة علمية أن تسلك السبل المتاحة لتحقيق التقدم العلمي، فما الذي يحرِّم على جامعاتنا ما هو حلال لغيرها؟. ثم لا ندري ما هي المشكلة عندما تسعى جامعة الملك سعود إلى الحصول على تصنيف متقدم، فكل جامعات العالم تسعى إلى ذلك وبقوة، وفي مقدمتها هارفارد وإم آي تي، كما أن كل الجامعات العالمية تسعى لاستقطاب العلماء المتميزين بشكل متفرغ أو جزئي على الأقل، فمن حق الجميع «شراء المعرفة»، ونعلم أن الولايات المتحدة اشترت «الأدمغة المتميزة» من كل أنحاء العالم، ولا تجد حرجاً في ذلك.
لأجل هذا كله، يؤلمنا أنه تم الترويج للتقرير من خلال وسائل التواصل الاجتماعي من قبل بعض أبناء الجامعة دون تمحيص، بل إن بعضهم طار به فرحاً شامتاً بالجامعة، ومتشفياً منها، فلو أنهم ناقشوه بحيادية لما اعترض عليهم أحد، ولكن أن يتم الاحتفاء به، فهذا كان صادماً لي على المستوى الشخصي بشكل كبير. وأخيراً نتساءل: ما الفرق بين هذا التقرير وبين ما تكتبه الصحافة الغربية بين الحين والآخر عن العرب والمسلمين، ومحاولاتهم المستمرة لترسيخ نمطية الجهل والتخلف في معظم ما يكتب ويقال؟.
وختاماً، أؤكد أنني لم أكتب هذه السلسلة إلا لقناعتي التامة بمسيرة الجامعة التطويرية، وبأنها «أرامكو المعرفة» التي ستقود مجتمعنا نحو المستقبل، ولئن اعترى مسيرتها بعض الهفوات، فإن هذا ثمن مقبول لقفزتها التطويرية الماثلة للعيان.
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر alfarraj2@