كنت ولازلت أتابع تلك الجلسات المعلنة وغير المعلنة لمجلس الشورى، مع ما يستجد من أعمال وقضايا ومشروعات وطنية، وما يتحقق للوطن كل يوم من إنجازات مذهلة وتنمية مستدامة واستباقات متعدّدة في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية، تنفيذاً لتوجيهات رائد النهضة السعودية الكبرى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز.وفي الواقع إذا كان هناك ما يميّز مجلس الشورى لدينا هو الصراحة والشفافية والوضوح والمباشرة والحوار وثقافته المتنوعة بين رؤساء وأعضاء مجلس الشورى، وهذا يدعوني للحديث عن الماضي والعودة للوراء ولسنوات تشكيل مجلس الشورى عام 1414 هجري، عندما تحدث رئيس المجلس الشيخ محمد بن جبير يرحمه الله فقال: لقد اختارنا ولي الأمر لكي نمثل هذا الوطن بكل أمانة ولم يأت بنا هنا لكي نتحدث باسم مناطقنا أو نعبّر عن قبيلة أو الفئة أو المنشأ الذي ننتمي إليه، لأنّ الوطن كله وطننا جميعاً، ونحن هنا بمثابة العين المفتوحة على كل مواطن والقلب المتعلق بكل ذرّة رمل فيه.
ولأنّ ولي الأمر أراد من هذا المجلس أن ينهض بسمؤولياته الوطنية وهو الهدف الأسمى من لدنه - يحفظه الله - وأمنياته ومستقبله، بعيداً عن الانتماء القبلي والفئوي أو الاجتماعي وما إلى ذلك، إلاّ أنّ ابتعاد المجلس ومشاوراته وحواراته عن قضايا الإنسانية للمواطن يدعونا للتوقف هنا في أعمال المجلس وتعليق الجرس أمام الأعضاء حتى يشعروا بحاجات المواطن الإنسانية الدقيقة، وحول ما يريده الرجل أو المرأة أو الشاب أو الفتاة، حتى نعالج بعض القصور في تناول المجلس لمثل هذه القضايا الملحّة.
لابد لنا أن نناقش معالجة الأزمات النفسية وعوامل الحزن والاكتئاب عند الاجتياح الإنساني لحل أية أزمة يتعرّض لها المواطن.
لا شك أننا نحتاج لكي نبحر في الواقع الجديد للمتطلّبات نتيجة الأحوال والأوضاع العربية من حولنا وأن نضع نصب أعيننا كأعضاء لمجلس الشورى، الوعي العام الذي وصلت إليه عقولنا وتعاملنا الإعلامي لكل مجريات الأمور من حولنا، والنظر بعين الفحص والتدقيق لكل الغايات الإنسانية للمواطن والمواطنة، فكم من فقير لم يجد مسكناً وكم من مريض لم يتمكن من العلاج، وكم من خريج لم يحصل على وظيفة مناسبة، ومن يريد أن يتطلّع على هذا النوع فليفتح إذاعة البرنامج الثاني من جدة ليستمع لبرنامج لست وحدك من إعداد وتقديم الإذاعي المعروف سعود الجهني، حين يعرض كل أسبوع قضية إنسانية تدمي لها القلوب والأفئدة.
لقد ظل المواطن يشعر بأنّ مجلس الشورى يبتعد كثيراً عن قضية الأنسنة ولابد له من الاقتراب للحاجيات الإنسانية للمواطن.
نحن نعرف جميعاً أنّ زعيم الحرب العالمية هلتر تعرّف على مشكلة الهزيمة في نفوس الناس وحاول كثيراً لتحقيق مبتغياتهم الإنسانية واحتياجاتهم وكيفية التعامل مع الأزمات، وأقام الأندية الاجتماعية والمراكز الإنسانية ومراكز الأحياء والترفيه عن الأبناء والبنات الصغيرات وتحقيق كل الحاجات الإنسانية، حتى لا ينقم الناس على المجتمع.
وهذا الرجل المصري الفقير يتناول سندويتشات الفول دون كلل أو ملل لأكثر من نصف قرن من الزمان، ولا يزال يواصل الضحك والتفاؤل، وفي المقابل نجد أنّ من يملكون المليارات لا يستطيعون حتى الابتسامة! وأحسب أيضاً أنّ دعوة مواطنين ومواطنات وشباباً وفتيات ضرورة أخرى لحضور بعض جلسات مجلس الشورى بهدف الاقتراب من حاجياتهم ومعرفة أدق الأمور الإنسانية لهم، فقد تعود على المجلس أن يستمع للكثير من الآراء التي تخدم الوطن والمواطنين مقدماً غوالي طاقات أعضائه وبصائرهم، ما يسدي لهذا الوطن ومواطنيه الكثير من الاحتياجات ويدعم - أي المجلس - كل رؤية نافذة وكل فكرة ناجزة.
من هذا المنطلق لا بد لنا من أن نجعل هذا المجلس محفلاً لتقديم الاحتياجات الإنسانية والنفسية والأفكار الشبابية الجديدة، وأنّ دعم مثل هذه الأفكار مالياً وإعلامياً يصبح من أهم القضايا الوطنية الإنسانية التي تحقق نهضة أخرى لمتطلّبات الوطن والمواطن، وتحقق في نفس الوقت تطلّعات ولي الأمر وسمو ولي عهده من أجل وطن مشرف ومواطن يشعر بالاكتفاء الذاتي.