فُقِدَت الكثير من الأرواح في سنة أصبح فيها خبر الموت لدى الأغلب أحداثاً يومية لا تُشكّل فارقاً! فوائد وعبرات جاءت وليدة أحداث 2011 الصاخبة.. قيل إن الموت واعظ وإنه تذكرة للمؤمنين، وبالفعل إن تأملت أحداث هذه السنة لوجدت عِبراً ودروساً تُذكّر الإنسان بقيمة الإنسانية!..قيمة نسيها الكثير في صخب الحياة وسرعتها التي أهلكت النفوس وعلّقتها ضائعةً بين الأزمنة لتُصبِح غائبة في حاضرها ولا هي التي لحقت بالركب! نفوسٌ عالقة في مكانٍ بيني تغيب فيه الضمائر عن الوعي.. هذه السنة هي فعلاً تذكرةً للضمير بوجوده! سنةً أيقظت فيها المبادرة ضمائراً غطّت في غفوة السنين، وأعلت فيها أصواتاً سكتت عن الظلم ونَسِيَت قيمة الإنسان وحق المطالبة بالحياة الكريمة. لقد حُتّم علينا تقبُل الواقع ولكننا لسنا مُجبرين على نسيان أنفسنا بين قساوة أحداثه فلقد أثقلَ علينا بقسوته إلى أن خدّر عقولنا لقد دفنّا ضمائرنا تحت مرارة الوقائع حتى اختلط ترابها بأرواحنا وأثبط عزيمتنا.. واستمرت الضمائر دفينة لفترة طالت ولكن جاءت روح المبادرة من شخص واحد فقط سئِمَ من الوقوف والمشاهدة! بدأت الثورة منه حتى أصبحت حشوداً من الثوار.. ولاعجب أن الثورات بدأت مُتلاحقة من بعد ثورة واحدة! فلكل شيءٍ بداية.. ومشاعر القهر وعيش الظلم والأفكار المعارضة وعدم الرضا..كُلها حقائق موجودة داخل أفراد تلك الشعوب ولكنها كانت تنتظر إشارةً ما تُثيرها وتدفعها للظهور.
وهذا جعلني أُدرك أهمية البدء والإمساك بزمام المبادرة في شتى مجالات الحياة.. فإن كانت المبادرة في الثورة حركت شعوباً فالأولى أنها في القضايا الأبسط تُحرك المجتمع بمشاعره واتجاهاته وسلوكياته. فكما بادر هذا الثائر حين سئِم من الظلم، نحنُ أيضاً سئمنا الوقوف ومُشاهدة الظلم بأشكاله.. وعلينا أن نثور دفاعاً عن أخلاقياتنا الإسلامية التي ظُلِمَت حين لم تُقابَل بمثلها أو بأحسن منها!! حينما تُبادر بالسلام وتُقابَل بالجفاء، أو حينما تُفشي الإبتسامة وتُقابَل بالأبصار المُحدقّة بك! لا تستسلم ولا تتوقف أبداً، تذكّر أن الأخلاق التي تنشدها موجودة بدواخلهم وكُل ماعليك هو أن تخترق بدفئ الابتسامة تلك القشور السطحية التي تغلف جوهرهم ولا تعكسه، ومن ثُمَّ بدماثة الخُلُق تستطيع أن تدفع كل خير ليظهر ويطغى. إن أردت نظافة البيئة فبادر أنت بنظافة المكان وإماطة الأذى عن الطريق، وعن العيون، وعن المسامع أبعد عنها كُلّ ما يُهينُها، وعن القلوب بادر في إزالة سيئ الظن وخبيث النوايا.. وكُن أنت في الخير المِقدَام، ابدأ بنفسك فَـ»إصلاح المجتمعات يبدأ من إصلاح الذوات «المُبادرة الإيجابية الطيبة دائماً مُثمِرة، قد ينتشر أثرها ببطء على عكس كل المبادرات السلبية التي تنتشر كالإنفلونزا المُعدِية بين البشر..ولكن باعتقادي أنه هذا هو الجهاد اليوم؛ هو أن ننشُر فكرنا ونزرع بالمُبادرة بذور المبادئ والقيم ونسقيها ونرعاها ونصبر عليها! الجهاد اليوم هو أن نرفع أصواتنا رُغمَ شدّة التيار وسرعته وننتظر الصدى بِكُلّ ثقة وتفاؤل.
رُبمّا تكُون 2011 (سنة الموت) ولكنها (عام الإحياء) أحيت الضمائر والفكر والكثير من المبادئ وأهمها؛ المُبادرة، ومن المُهم أن نعلم أن روح المبادرة الحقة لا تتأثر بسلبية الأحداث والأشخاص، والأهم هو أن من يحيا بها ليس ممن هم يستسلمون لمرارة الواقع!