ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Monday 09/01/2012/2012 Issue 14347

 14347 الأثنين 15 صفر 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

خرج «أبو صالح» إلى هذه الدنيا وهو يحمل معه هذا اللقب الذي اشتهر به منذ صغره وجعل «صالح» ابنه المنتظر لا يفارق مخيلته، يتساءل متى سيأتي صالح؟ وهل سيكون يا ترى اسماً على مسمى؟ ثم من هي يا تُرى التي ستصبح أماً لصالح ومتى سنلتقي؟ أسئلة باغتته مبكراً دون أن تتكرم عليه الأيام بإجابة سريعة.. حتى جاء ذاك اليوم الذي أعلنت والدته بفرح غامر وجدتها.. وجدت أم صالح! فرح ابنها بهذا الخبر وتزوجا على الرغم من ظروفه المادية الصعبة آملاً بأن تتحسن أحواله وتكون أم صالح وجه خير وبركة عليه. ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي أمانيه الطاهرة وتردت أحواله حتى فكر ذات يوم وهو يحادث ابنه صالح قبل أن يأتي.. ابني الحبيب أحببتك قبل أن نلتقي، ووقعت بغرام طيبتك وبراءتك التي رأيتها في مخيلتي قبل أن أراك.. كنت أحملك معي بحب وفخر إلى كل مكان ولازلت، ولكن اعذرني يا بني أعتقد أن الوقت ليس مناسباً لنلتقي أعرف أنك ستسألني بغضب لماذا؟ حسناً، لأني أخاف يا ابني أن يحين موعد ولادتك وتجيء تلك اللحظة التي لطالما انتظرتها ولا أجد سريرا يستقبل والدتك في المشفى.

أخاف يا ابني أن تقسو علي ظروف الحياة فلا يسمح لي مرتبي المتواضع أن أشتري لك ثياباً جديدة وألعاباً في يوم ميلادك..

أخاف أن يحين وقت دخولك المدرسة وأقف بحسرة أمام خيارين أحلاهما مرّ.. إما أن أتحمل ثقل نفقات إضافية لأدخلك مدرسة خاصة وإما أن أسجلك مدرسة حكومية وأنا على يقين بحجم الإهمال الذي سيلحق بك.

أخاف عليك من عنصرية الناس حولك حن يصنفونك بتصنيفات لم تخترها أنت، بل كانت قدرك وقدري.

أخاف أن تمرض ثم أحملك إلى مستشفى قريب فيذوب قلبي وأنا أراك تتألم دون أن يلتفت لك طبيب أو حتى ممرض ليس لشيء سوى أني لم أتشرف بمعرفة مدير المستشفى أو أحد مدراء الإدارات.

أخاف أن تكبر فتسألني كيف يبدو منظر الشارع أمام منزلنا مكسراً ومشوهاً ونحن نسكن عاصمة إحدى أغنى الدول في العالم.

أخاف أن تشتكي لي سوء حال وأحوال مدرستك وتعطل مكيفاتها في عز الصيف الساخن ولا أقوى على تغيير هذا الواقع المر.

أخاف أن يشب حريق في المدرسة فتلتهمك ألسنة النار لعدم وجود خطة أمنية في حالات الطوارئ، أو لعدم توافر مخارج آمنة وطفايات للحريق وغيرها من دواعي السلامة.

أخاف أن تذهب أن إلى أحد الأسواق التجارية لتروّح عن نفسك برفقة أصدقائك مثل كل شباب العالم ثم تمنع من الدخول بحجة أنك شاب لا أكثر.

أخاف أن تكبر وتحلم بدخول الجامعة والتخصص الذي تتمنى دراسته فتعجز عن ذلك فأغبن لأني لا أستطيع أن أوفر فيتامين «واو» ليسهل طريقك ويحفظ لك كرامتك.

أخاف أن تدرس سنين طويلة وتجتهد وتسهر وتضع العرق في مكانه الصحيح ثم لا تجد عملاً يليق بهذا الجهد بل فرصة لاستلام ألفي ريال من برنامج «حافز» لتكتشف حينها أن أكبر كذبة في التاريخ هي أن «لكل مجتهد نصيب».

أخاف أن تحلم كأي شاب في بناء بيت تحضن داخله زوجتك وأبنائك ثم تكتشف أن هذا حق صار ترف لا ينعم به أي شاب فتنضم لقائمة شباب بأحلام مؤجلة.

أخاف أن تكره هذا العالم الزائف من حولك حيث للمال الكلمة الأخيرة وللواسطة الكلمة ما بعد الأخيرة.

أخاف أن تذهب إلى المسجد لتصلي فترى إسلاماً ولا ترى مسلمين، حيث أقفلوا منافذ خروج المصلين والسيارات بمركباتهم وعطلوا أشغال الناس وجاء البعض منهم فملأ المكان بالأوساخ والأتربة.

أخاف أن تمر السنين فتكبر وحينها تصغر أحلامك وتتقلص أمنياتك حين تصبح مشغولا في الحصول على قوت يومك لا أكثر.

وأخاف أن تمر عليك السنين العجاف طويلة وثقيلة فتصاب بالألم النفسي والوجع الجسدي فتذهب لتراجع الطبيب فيعطوك موعداً بعد 8 أشهر وأنا تتألم وتردد «العين بصيرة واليد قصيرة».

أخاف عليك أقولها لك وأنا أبكي.. من الخوف والذل والألم والحسرة.. أخاف عليك أكثر ما أخاف أن تموت قبل الموت ألف مرة بسبب ضيق الحال وتردي الأحوال لذا قررت أن أؤجل إنجابك يا بني صالح حتى يصبح الزمن صالحاً لاستقبالك.. مع حبي لك.... والدك المحب: أبو صالح.

Twitter:@lubnaalkhamis
 

ربيع الكلمة
لماذا بكى أبو صالح؟!
لبنى الخميس

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة