|
بقلم | د. حافظ المدلج
مدخل: (سنعبر الجسر عندما نصله)
ها نحن قد ودّعنا عام 2011 أكثر الأعوام إثارة وقلاقل ومحن في جميع أصقاع العالم، وخصوصاً العالم العربي، ولكننا كمواطنين سعوديين نشعر بالفخر لاستقرار أوضاعنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في ظل حكومة رشيدة وضعت هموم المواطن في قمة أولوياتها فكان والولاء والوفاء بمثابة وثيقة شكر وعرفان لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي يجسد معنى «والد الجميع» في أبهى الصور وأنقاها.
مرات عديدة حاول أعداء الوطن شقّ الصف وتفريق الوحدة، وفشلوا فشلاً ذريعاً بحمد الله ثم بفضل اللحمة الوطنية التي تربط المواطن بالوطن، وكانت الرياضة منصة لإطلاق أقوى الدلائل على تلك اللحمة التي نفتخر بها، فكلما زادت الأوضاع توتراً في المنطقة العربية وحاول الكارهون لخير هذه الأمة اهتبال الفرصة وزرع الفتنة، جاء الرد صاعقاً وقوياً يؤكد وقوف شباب هذا الوطن خلف قيادتهم قلباً وقالباً، في شواهد كثيرة كان أجملها وأصدقها تلك العبارات التي يحملها نجوم الفريقين عند نزولهم إلى الملعب أو يخطها بعض الجماهير بأيديهم ليرفعوها في وجه أعداء الوطن بالمدرجات وأمام الكاميرات.
في المملكة العربية السعودية يمثل الشباب أكثر من ثلثي السكان، وهو أمر يبشر بمستقبل زاهر لهذا الوطن ولكنه في الوقت نفسه يزيد من أطماع المعادين للوطن ومحاولتهم غسل فكر الشباب وتشويه المعتقدات والقيم التي تربوا عليها. وسيستخدمون الرياضة وإعلامها كجسر للعبور إلى عقول الشباب في محاولة يائسة لإفساد العلاقة بين المواطن ووطنه، ويجب ألا نستهين بمحاولاتهم التي تنخر جسد الأمة كما ينخر السوس في الأسنان، فإن أهملتها فقدتها وإن حافظت عليها وقاومت التسوس كانت مصدر قوة وفخر.
هذه المقدمة تعد تأطيراً لخطاب مباشر أوجهه عبر «الجزيرة» إلى ملك القلوب والد الجميع، الذي أثق بأن الإدارة الإعلامية في ديوانه تتابع كل ما يكتب في جميع وسائل الإعلام بهدف معرفة نبض المجتمع والعمل على تحقيق تطلعاته.
ماذا يريد الشباب من الدولة؟
سؤال كبير جداً.. الإجابة عليه تتلخص في محورين أساسيين: توفير فرص الحياة الكريمة والمشاركة في خدمة الوطن. تلك باختصار أهم المطالب الشبابية، ففي المطلب الأول يريد كل شاب أن يحظى بخيارات تعليمية ووظيفية تمكنه من رسم مستقبله والاطمئنان على مستقبل أولاده، وفي الثاني يرغب الشاب في المساهمة في تخطيط وتدوير عجلة النمو التي نفخر بأنها تسير إلى الأمام دوماً.
ولذلك تعجز الكلمات عن شكر «والد الجميع» على «برنامج الملك عبدالله للابتعاث» الذي حطم الأرقام القياسية في عدد المبتعثين المنتشرين في أصقاع العالم للنهل من مشارب العلم المختلفة والعودة بإذن الله لدفع عجلة التنمية بالاتجاه والسرعة المطلوبة، وهنا يبرز التحدي الصعب في توفير الفرص الوظيفية من خلال وزارتي الخدمة المدنية والعمل، إذ لا قيمة للعلم والشهادة إذا لم تكن جواز العبور للوظيفة المناسبة. ليبقى المطلب الثاني وهو مشاركتهم في صناعة القرار الذي يتوافق مع توجهاتهم وأحلامهم التي رسموها في بلاد الغربة أو من خلال إطلاع المحليين منهم على ما يحدث في هذه القرية الكونية الصغيرة، حيث لم نعد بحاجة للسفر لمعرفة ما يحدث في العالم من حولنا.
اقتراح:
مع تزايد أعداد أعضاء مجلس الشورى لازال الاختيار قصراً على الكبار دون الشباب، وقد حظيت المرأة بشرف الدخول للمجلس وآن الأوان لدخول الشباب، إذ يمكن ببساطة أن ترشح كل جامعة أفضل خريجيها خلال دورة المجلس الحالي، وليكن المجموع مائة خريج يتم إدخالهم في دورة مكثفة عن عمل المجلس وأهدافه ورؤيته لمدة عام شبيهة بالدبلوم العالي للمعهد الدبلوماسي، بحيث يتعلم الشباب أهم أسرار المجلس ودوره في صناعة قرار الدولة، ثم يتم تعيين العشرة الأوائل أعضاء في مجلس الشورى وفق آلية معينة تناسب أعمارهم وخبراتهم، بينما يتحول البقية إلى قطاعات أخرى من الدولة كل في مجال تخصصه، فلا ننس أنهم أفضل ما تنتجه الجامعات السعودية.
ماذا يريد الشباب من الرياضة؟
ربما اختصر مطالب الشباب في أمرين أيضاً: تحسين البيئة الرياضية والتطور العام في المستويات والنتائج، وهما أمران مرتبطان يستحيل فصل أحدهما عن الآخر. ففي المطلب الأول يشعر الشباب بهزيمة نفسية لمجرد مقارنة البنية التحتية الرياضية في المملكة بمثيلاتها في دول الجوار، وفي الثاني يستشعرون تراجع النتائج على مستوى المنتخبات والأندية والبعثات الرياضية في المحافل الدولية.
ولذلك كانت فرحة الشباب كبيرة بنفحات الخير التي هبت قبل عام عبر مكرمة ملكية شملت الجميع من «والد الجميع»، الذي عودنا أن نطمع أكثر وأكثر في كرمه الذي نثق بأنه نهر متدفق من العطاء لن يتوقف أبداً بإذن الله. فشبابنا أصبح أكثر وعياً وثقافة بما يحدث في العالم من حولنا، فهم يشاهدون الملاعب والأكاديميات الرياضية في الدول المجاورة، ويطالبون بأفضل منها في الدولة الأغنى على مستوى العالم، وهو مطلب طبيعي يعلمون أنه اليوم أقرب للتحقيق من أي وقت مضى لأن «والد الجميع» ينفق بسخاء على الجامعات والمراكز الشبابية بشكل يندر مثيله في التاريخ، ولذلك فهم يطمعون بأن تشمل نفحات الخير البنية التحتية الرياضية التي شاخت بسبب قدم المشروعات الحيوية في المجال الرياضي. وفي المطلب الثاني ينتظرون نتائج أفضل للمنتخبات والأندية والرياضيين، لترتفع راية التوحيد في المحافل العالمية.
اقتراح:
إن التجارب الناجحة من حولنا كثيرة، فلسنا بحاجة إلى إعادة اختراع العجلة للنهوض بالرياضة السعودية، ولعلي أقترح النموذج الألماني الذي يعتبر في نظر الكثيرين هو المثل الأعلى لكيفية الارتقاء بالرياضة بشكل عام وكرة القدم على وجه الخصوص، ونظراً لأن كرة القدم تمثل اللعبة الشعبية الأولى والمعيار الحقيقي للنجاح، فإن ألمانيا قد نفذت خطة عشرية لبناء 36 ملعباً نموذجياً تتراوح طاقتها الاستيعابية بين 20 - 80 ألف متفرج بمبلغ 2.7 مليار دولار فقط لا غير، وشبابنا يستحق على أقل تقدير نصف هذا المبلغ ونصف عدد الملاعب، وحينها ستتحسن النتائج وتزداد مساهمة الرياضة باللحمة الوطنية.
(نواف) الرؤية والهدف:
يمكن وصف المرحلة الحالية للرياضة السعودية بأنها انطلاقة الطفرة الحديثة بما تحمله من مشروعات وخطط وطموحات شفافة وواضحة فربان الرياضة والشباب الأمير نواف بن فيصل حمل على عاتقه مهمة الارتقاء بالوضع ومحاذاة التطور في كل بلد بالعالم وهذه الرغبة والهاجس المليء بالطموح والعمل يكشف حميمية العلاقة بين المؤسسة الرياضية الشبابية والشباب السعودي فالهدف واحد وهو الارتقاء ولا رجوع عن ذلك وهو الأمر الذي يعني أن يتم دعم الرياضة والشباب بميزانيات استثنائية لتحقيق الطموحات والآمال وتطبيق كافة الخطط والمشاريع كما هو الحال في أرجاء الدول الأخرى وهذا الأمر ليس خافيا على ولاة الأمر حفظهم الله الذين يضعون الشباب نصب أعينهم وداخل قلوبهم ومن يتمعن ويقرأ الهمة والتخطيط والرسم المستقبلي للرياضة والشباب يكشف أن هناك عملا رائعا يحتاج للدعم فقط ليتحقق على أرض الواقع وليس ذلك ببعيد أبداً.. أبدا بإذن الله
ماذا يريد الشباب من الإعلام الرياضي؟
ربما يكون هذا السؤال هو الأصعب ولكنني سأحاول اختزال الإجابة في مطلبين: تقديم المصلحة العامة والرقي في الطرح. ففي المطلب الأول سئم الشباب من رؤية الإعلام الرياضي مصبوغاً بألوان الأندية فيطغى التعصب على العقل وتحصر شؤون الرياضة وشجونها في لاعب واحد لناد واحد، وفي المطلب الثاني يريد الشباب إعلاماً يخاطبهم بوعي ورقي من خلال احترام ثقافتهم التي تتطور مع الأيام التي تثبت تفوق الشباب على الكبار.
ولذلك فإن شباب اليوم يملكون وسائل الاتصال الحديثة التي تمكنهم من الوصول إلى المعلومة في كل مكان من هذه القرية الكونية الصغيرة، ومع زيادة متحدثي اللغات الأجنبية توسعت دائرة الإطلاع وزادت معها مساحة المعرفة التي تمكن شباب اليوم من المقارنة والمطالبة بتطوير الإعلام الرياضي على كافة الأصعدة. فشبابنا قادر على التمييز بين الغث والسمين وهو على يقين بقدرة الإعلام الرياضي على تحقيق طموحاته.
اقتراح:
في زمن التخصص لم يعد مقبولا أن يكون الإعلام الرياضي مهنة من لا مهنة له، بحيث تفتح الصفحات والإذاعات والقنوات لكل من يرغب في المشاركة بالطرح الإعلامي الذي يشكل عقول الشباب وتوجهاتهم، وهنا مكمن الخطر إذا سلمنا عقول الشباب لمن لا يراعي تلك المسئولية ولا يقدرها، فربما يكون الإعلام الرياضي خنجراً في خاصرة الوطن بدل أن يكون درعاً واقياً لعقول الشباب. بالإعلام الرياضي المتخصص نستطيع أن نزيد اللحمة بين المواطن والوطن، وبالطرح الواعي نتمكن من دحر كل المحاولات البائسة لشق صف وحدتنا التي نراهن عليها في الملمات والصعاب. ولذلك يجب أعادة تقييم التجربة الإعلامية الرياضية ووضع ضوابط منطقية ومنهجية لمن يدخل معترك الإعلام الرياضي ويستحق أن يؤتمن على عقول الشباب، ولعل الجامعات السعودية تفتح مساراً جديداً في كليات الإعلام تحت مسمى «الإعلام الرياضي»، مع التأكيد على الاستمرار في الاعتماد على من يملك الموهبة الإعلامية دون المرور بمقاعد الدراسة الجامعية شريطة أن تتوفر فيه المعايير التي يتم وضعها بعناية لضمان إعلام رياضي يرتقي بفكر الشباب.
ملخص الرؤية
كتبت هذه الرؤية لتنشر بعد انتهاء عام 2011 الذي نسعد جميعاً بتوديعه لأنه كان الأسوأ في التاريخ الحديث على مختلف الأصعدة، ولعلنا نفخر بأن خسائرنا ذلك العام كانت أقل من غيرنا، فالحمد لله على نعمة الاستقرار الذي نعيشه في كنف «والد الجميع» الذي حفزني للكتابة قناعتي بأنه يقرأ ويعمل ليل نهار على تحقيق طموح شباب الوطن.
وشباب الوطن يرغب بالمشاركة في صناعة القرار من خلال إدخال الشباب في اللجان والمجالس التي ترسم مستقبل هذا الوطن، فوصول صوتهم ضرورة حتمية لاتخاذ القرار المناسب لمستقبلهم، ولذلك أتمنى أن أرى بعض الشباب في التشكيل القادم لمجلس الشورى وغيره من المجالس البلدية واللجان الوزارية، فالاستماع لصوت الشباب لن ينتج عنه إلا الخير للوطن والمواطن.
وشباب الوطن يريد الارتقاء بالرياضة بشكل عام وكرة القدم على وجه الخصوص، ولن يتحقق ذلك وآخر ملعب تم تشييده عام 1988م، والعالم من حولنا يدشن ملاعب على أحدث طراز، ولذلك فالمطالبة بملاعب «كرة قدم بدون مضمار» مطلب شبابي لن يكلف الدولة أكثر مما كلف ألمانيا، إذا سلمنا بغلاء اليد العاملة والمواد الخام والأراضي في أوروبا الغربية بالمقارنة بالوطن الغالي، ولعلنا نختصر التكاليف كثيراً إذا قررنا إقامة الملاعب في الأراضي المملوكة للدولة كالمطارات وغيرها. وقد كانت وقفة «والد الجميع» محل تقدير الجميع، حين تكفل بحقوق النقل التلفزيوني ومنحها للقناة الرياضية مع أمر صريح لوزارة المالية بتحمل تكاليف الإنتاج وحقوق الأندية، وقد تمت الأولى وتأخرت الثانية، فالأندية السعودية بأمس الحاجة لملايين النقل التلفزيوني التي لم تصرف بعد وأملهم في «والد الجميع» لن يخيب، وبالمقارنة بعوائد العقد الأخير وتوقعات العقد الحالي فيما لو طرح بمنافسة عامة، ننتظر صرف 15 مليون ريال لكل ناد مشارك في دوري زين السعودي، و3 ملايين لأندية الدرجة الأولى ومليون لأندية الدرجة الثانية.
وأخيراً يطالب شبابنا بإعلام رياضي يرتقي بفكرهم ويعزز مبدأ الولاء والوفاء بينهم وبين الدولة، من خلال تقديم المصلحة العامة دائماً وأبداً.. حمى الله بلادنا وقادتنا وشبابنا من كل سوء.. إنه سميع مجيب.