في بريطانيا وقبل ستين سنة لم يكن الناس يقفون في طوابير منظمة في الأماكن العمومية كما هو الحال اليوم, ونظراً لاستياء الحكومة من ذلك قررت في خمسينيات القرن الماضي بفرض غرامة قدرها مئة جنية إسترليني على كل من لا يقف في الطابور ويلتزم به, وكان هذا المبلغ يعد ثروة في تلك الأيام.
و فعلا بدأ أفراد المجتمع يلتزمون بالقانون خوفا من العقوبة آنذاك. أما اليوم فلقد أصبح الوقوف في الطابور وانتظار الدور ثقافة في المجتمع البريطاني انتقلت منه لتعم معظم دول الغرب...
أفلا تذكركم هذه القصة بنظام (ساهر), وهو ما أدخله جهاز المرور للحد من الحوادث المرورية وإنقاص عدد ضحايا السرعة الزائدة.. فنجد منذ فرضه سخطاً وغضباَ كبيرين من العديد من أفراد المجتمع, الذي وصل الحال ببعضهم إلى ارتكاب جريمة قتل والتكسير والمهاجمة بكافة أنواعها, معلنين بذلك رفضهم القاطع للالتزام بالسرعة المحددة ومطالبين بترك الحبل على الغارب!.
ولكن وكما آمل بعد فترة من الزمن سيهدأ رد فعل الشارع الغاضب, وسيلتزم الكل بحدود السرعة المفروضة دون الحاجة لمراقبة كميرات ساهر أو حتى الخوف من فلاشاتها..
و حتى لا أكون بضربي لمثل «بريطاني» قد ابتعدت كثيرا فعلى هذه الأرض في أوائل الستينات وعندما بدأت الدولة في فتح مدارس للبنات, كانت هناك مقاومة شديدة في بعض المناطق واضطرت الحكومة آنذاك إلى إرسال قوات من الأمن لحماية المدارس من غضب الأهالي المحتجين على فتحها. ولكن وبعد مرور سنوات أصبحت المناطق المحتجة نفسها تطالب بفتح المزيد من مدارس البنات, وبعبارة أخرى تحول تعليم البنات من مبدأ مرفوض إلى حاجة أساسية خلال فترة زمنية قصيرة نتيجة لتغير نظرة الناس إليه والناتجة من قرار ملكي حكيم وشجاع رأى ما هو صحيح وأقرّه.
يوجد الكثير في ساحاتنا قضايا معلقة والتي تصب في منفعة المجتمع وأفراده وتشكلّ لهم حاجة ماسة ولكنها تواجه رفض اجتماعي من البعض لحجج متعددة الأوجه. ولكنها دون قرارا حاسم ستظل رهن مكانها معلقة حتى تحين ساعة التغيير وذلك بإصدار توجيه أو قانون بالمنع أو السماح أو حتى التعديل ويكون قادم من أعلى السلطات للحد من المزايدة الشعبية والسحب والجذب بين الأطراف..
فأسراب المجتمع تحتاج إلى من يوجهها بقوة السلطة والقانون, لتواكب ركب الحضارة والتطور والتقدم في سلم التنمية والازدهار. وحتى تكون الحياة أكثر سهولة ومرونة, بعيدة عن خبث التعقيدات وعشوائية الأنظمة وعبثية التوجهات, وقريبة أكثر إلى البساطة والعملية وخلق المزيد من الثقافات الجديدة التي تنعش المجتمع وتنفض الغبار من على سجاده, ولتساعد على حلحة القيود التي أدمت معصم أفرادها.
فالكثير من القضايا والمواضيع الشائكة والمبعثرة والمتصلبة في الكثير من الأحيان, تحتاج إلى الحزم واتخاذ قرارات شجاعة تحسم الموقف وتوقف مد الجدل.
فالمجتمع مركب يسهُم الجميع في تسييره بلا أدنى شك ولكن لا بد من كلمة القبطان الأخيرة..!
