مع تزايد أسعار السلع، ومع ثبات الرواتب، أو زيادتها بنسب لا تتناسب مع زيادات السلع الرئيسة، كان لا بد من إيجاد حل لمكافحة الفقر، والحاجة الملحة للغذاء تحديداً لمن لا يجد الدخل الكافي لمواجهة الغلاء المستشري في السلع الغذائية على وجه الخصوص، ابتداء بالعاطلين عن العمل، وانتهاء بمحدودي الدخل.
آلية (البطاقات التموينية) حل مجرب وفعّال لمواجهة هذا الغلاء؛ وهي سياسة منتشرة ومُتبعة في أغلب دول العالم، بما فيها الدول الغنية. ففي الولايات المتحدة -مثلاً- يستفيد أكثر من 30 مليون أمريكي من البطاقات التموينية؛ وتعتبر من أهم الآليات المتبعة هناك لتحقيق التكافل الاجتماعي، ومكافحة الجوع، وبالذات الأطفال الذين يُعاملون هناك معاملة خاصة؛ حيث ينظم سياسة البطاقات التموينية برنامج يُسمى (البرنامج المبسط للمساعدة الغذائية)؛ وللاستفادة من إعانات هذا البرنامج يتقدم من تنطبق عليهم الشروط بطلب للحصول على بطاقة إلكترونية، توفر خصومات أو إعانات لشراء المواد الغذائية الضرورية من المحال التجارية التي تبيع هذه الأنواع من السلع، والمعتمدة لدى الجهات التي تتولى التموين.
والبطاقة التموينية الأكثر انتشاراً في العالم هي البطاقات التي تمنح حاملها خصماً قد يصل في بعض الدول إلى 60% أو أكثر من سعر بعض السلع الضرورية؛ فعندما يحتاج المواطن الفقير أو محدود الدخل، ممن تنطبق عليه الشروط، إلى صنف معين من الغذاء -الأرز مثلاً- يذهب إلى المحل المعتمد كموزع للمواد التموينية، فيجد أن سعر السلعة التي يرغب في شرائها قبل الخصم مائة ريال مثلاً، فيُقدم البطاقة التموينية، المسجلة إلكترونياً إلى الكاشير، فيبيعه السلعة بأربعين ريالاً إذا كان الخصم 60%، وتتحمل الحكومة ما تبقى من المبلغ الكلي المعتمد للفرد أو الأسرة؛ ويتم خصم هذا المبلغ تلقائياً من خلال شبكة إلكترونية من حصة الفرد أو الأسرة التموينية؛ وهذه الحصة تزيد في حالة انخفاض الدخل، وتتناقص كلما زاد الدخل، أو قل أو زاد عدد الأفراد الذين يعولهم رب الأسرة.. ولمنع أي تلاعب يمكن وضع صورة المستفيد على البطاقة نفسها، بحيث يتأكد الكاشير أن صاحب البطاقة هو ذاته من يقدمها إليه ليستفيد من الخصم الذي تتيحه البطاقة لحاملها. كما أن عدد أفراد أسرة حامل البطاقة، أو من يعول، لها ارتباط وثيق بحجم الحصة التموينية المقررة له نظاماً، لضمان الهدف الذي جاءت لتحقيقه.
كما أن مثل هذه التجربة في حال نجاحها بالإمكان أن تمتد لتشمل حتى المنتجات البترولية أيضاً، بحيث تُصدر الحكومة بطاقات تزويد بالوقود لشرائح معينة من المواطنين، كمحدودي الدخل مثلاً، في حالة (اضطرت) الحكومة مستقبلاً لرفع أثمان الوقود لأي سبب كان؛ فيستثنى من الزيادة الفئة محدودة الدخل، من خلال آلية على غرار هذه البطاقات، ويكون معيار من يشمله هذا الرفع ومن لا يشمله هو مستوى دخل الفرد أو الأسرة، وليس كل المجتمع.
وختاماً أقول: إن ارتفاع الأسعار نتيجة لعوامل عدة، داخلية وخارجية، أصبحت حقيقة ملموسة، وانعكاساتها السلبية على الطبقات الفقيرة لا يمكن تجاهلها، ونظام البطاقات التموينية نظام مُجرّب، وناجح في كثير من الدول، حتى بعض الدول الخليجية جوارنا، ويُحقق العدالة الاجتماعية بين من يملك ومن لا يملك؛ كما أنها علاج سريع وناجح لمواجهة الفقر، ومحاصرة تداعياته؛ وكلنا أمل أن تجد آلية البطاقات التمويلية النور في القريب العاجل. إلى اللقاء