مساء الاثنين الماضي كنت في البحرين لإحياء أمسية شعرية في «بيت الشعر» استجابة لدعوة كريمة من معالي وزيرة الثقافة البحرينية سمو الشيخة مي بنت محمد الخليفة. حضرها ما يقارب مائة من المهتمين والمهتمات من البحرين والسعودية؛ وبينهم الملحق الثقافي السعودي د. عبدالله سالم الزهراني. كانت تجربة حميمة حيث «بيت الشعر» هو بيت والدي شاعر البحرين إبراهيم العريّض رحمه الله, البيت الذي نشأت فيه طفلة وصبية أرتوي من معين الأدب والثقافة. وقد استعادته الشيخة مي ضمن مشروعها الثقافي الرائع من مالكه, وأعيد تأهيله ليصبح متحفاً خاصاً بالشاعر العريض وموقعاً ثقافياً تقام به الأمسيات الأدبية والشعرية. وعرفت منها أن هناك مداولات لتطوير المنزل الذي يجاوره إلى «بيت القصيبي» تكريما للشاعر المشترك مثلي د. غازي القصيبي رحمه الله.
للثقافة في دول الخليج وبالذات البحرين أقدمية تاريخياً وآفاق أوسع.
أعتز بكوني خليجية بكل ما يعنيه ملح الخليج, الذي يجعل للعيش مذاقا طيب الاكتمال, وأحس بالانتماء الكامل في أي دولة من دول الخليج حيث تحتل المرأة موقعها بكل كفاءة. إنجاز تحقق بمبادرة ومباركة ومشاركة الجميع مجتمعا وقيادة ونخبا.
وأول مدرسة للبنات في البحرين افتتحت عام 1928 ميلادية قبل أكثر من 85 عاماً! أنظر إلى وضع المرأة الخليجية اليوم فأرى لها جوانب مرضية وأخرى تتحمل أن نطمح إلى ما هو أفضل. والغد واعد. ثم لا أؤمن بالتعميم فواقع المرأة الخليجية ليس واحدا, ولا حتى بين مواطنات بدولة واحدة. هناك فروق واختلافات فردية ووضعية من الأمية إلى المتخصصة, ومن الثرية المدللة إلى الفقيرة المدقعة, ومن ربة البيت المتفرغة إلى الموظفة وصاحبة العمل؛ ومن الراضية بموقعها في خارطة المجتمع إلى الرافضة الغاضبة, ومن الليبرالية الناشطة لتحسين الأوضاع وتمكين المرأة, إلى المحافظة الداعية لتقبل المرأة لدورها التقليدي خانعة خاضعة؛ كل هذه الفئات موجودة. وأظننا بذلك لا نختلف كثيراً عن غيرنا من المجتمعات. يبقى أن المجتمع الخليجي مجتمع محافظ ويحيط نساءه وفتياته بإطار تعامل اجتماعي خليط من الموروث والأعراف يراه البعض موقع احترام وصونا وتقديرا, ويراه البعض الآخر موقع استغلال واستلاب أو تقييد وتكبيل.
وفي حين تطورت نظرة المجتمع لدور المرأة في البحرين قبل خمسين عاما, وتلتها زمنيا الكويت, فإن التقدم والتعديل في وضعية المرأة في دول الخليج الأخرى جاء أحدث؛ وآخرها السعودية بعد الإصلاحات التي أعلنها عاهل البلاد الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله. ففي العقد الأخير وبالذات النصف الثاني منه حصلت تغيرات شاسعة وضحت التوجه الرسمي لتمكين المرأة وتسهيل حضورها في الساحة الاجتماعية كعضو فاعل, موظفة وصاحبة أعمال ومستشارة وعضوة بالمجالس الأعلى في الدولة؛ بعد أن تجذر تقبل المجتمع لها مبدعة ومتعلمة ومتخصصة.
وأتصور أن السبب الأول لاستمرارية التوجس لدى البعض هو الخوف الفطري من الجديد والتغيير, متجذراً في رغبة الاحتفاظ بموقع مريح. المجتمع التقليدي في الجزيرة,كما هو في الخليج, كان سابقا يحترم المرأة وقدراتها المهنية, ولكن في مجتمع ما بعد الطفرة الاقتصادية, وتسارع العلاقات العولمية, وثورة الاتصال والإعلام, تراجع إلى اختزال المرأة الحلقة الأضعف في التفاعلات الاجتماعية المتسمة بالتوتر, متخوفا على المرأة ثم متخوفا من تأثيرها؛ ربما لأن مجتمع الجزيرة - ماعدا المناطق الحدودية والسواحل- ظل مغلقا أمام التأثر بالتغيرات في العالم حتى عهد قريب لا يتعدى نصف قرن. المرأة في الصحراء لم تفقد الحرية ولا الاحترام. ولكن الأوضاع تغيرت حين التيار المتشدد -الذي تراكمت تصاعداته منذ الثمانينيات بعد ثورة الجهيمان والخميني- استغل هذا الخوف الطبيعي ليحوله إلى تبرير للتحكم بفرض باب «سد الذرائع», باعتبار أن التغيير يعني فقط التأثر السلبي, والتعرض لكل ما مر به مجتمع الغرب من «تحرر المرأة» وخروجها عن طاعة الرجل والتخلي عن «دورها الأسري», وهو أمر غير مرغوب في مجتمع أبوي السمات. بالتالي أمست المرأة تحت الحراسة المجتمعية المشددة التي تعتبرها غير ذات أهلية أو قدرة على حماية نفسها لو خرجت من «صون» البيت إلى «غابة» الشارع, و»معمعة» العمل الوظيفي! ديموغرافيا الوضع الآن يتغير مرة أخرى وبوضوح , حيث تتساوى أعداد الخريجات الجامعيات بأعداد الخريجين أو تزيد. والحالة الاقتصادية الضاغطة تدفع إلى ضرورة تقبل مشاركة المرأة في دعم الأسرة اقتصادياً.