في تمام الساعة الثامنة مساءً ترتطم بي سيارة وتقذفني في مكان قصي لأنظر إلى قدمي وهي تكاد تفارقني وأنا أصرخ من شدة الألم والناس من حولي مجتمعون كان بعضهم يحاول الاتصال بالإسعاف فقلت لهم أرجوكم أنقذوني ولا تنتظروا سيارة الإسعاف.. تقدَّم شابان متطوِّعان فأركباني في سياره مدنية بعدما تأكَّدا من سلامة ظهري، ركب بجواري أحد المتطوِّعين وهو يسلِّيني ويطمئنني بأن قدمي لن تفارقني، وصلنا إلى الطوارئ والدم ينزف وأنا أتألم أشد الألم، تبادر إلى ذهني أن أتصل بصاحب القلب الكبير صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر أمير منطقة القصيم، فطلبت من الشاب المتطوّع أن يتصل بسموه وما هي إلا ثوان معدودة وإذا بصاحب السمو يحدثني فقلت له عن حالتي وقلت له توجيهاتك حفظك الله فقال أبشر.
اجتمع الأطباء من حولي أرادوا أن يخدّرونني تخديراً عاماً فطلبت من الطبيب أن يكون التخدير موضعياً فتم ذلك وبدأ الأطباء بإجراء العملية وأنا أتبادل معهم الحديث حول بعض الآيات القرآنية. في تمام الساعة الثانية عشرة ليلاً انتهت العملية ووصلت إلى غرفة التنويم وإذا بأمير القصيم يحدثني ليطمئن على صحتي ولأعلم أنه متابع لحالتي لحظة بلحظة، وبعد ذلك أحظى منه (رعاه الله) بزيارة اطمئنانية، وبعد ذلك يتصل بي نائب أمير المنطقة سائلاً عن صحتي معتذراً بانشغاله بالتعازي في وفاة عمته هاجر رحمها الله.
في المستشفى رأيت كثيراً من الوجوه التي جاءت ابتغاء وجه الله وجوه لأول مرة أراها في حياتي، وفي المستشفى عندما اشتد الألم طلبت من الممرضة مسكّنا ًفناولتني المصحف الشريف رغم أنها غير مسلمة، فقرأت في سورة الأنبياء ووجدت أن الأنبياء عليهم السلام مستهم الضراء والبأساء ودعوا الله سبحانه وتعالى فاستجاب لهم، قرأت قول الله تعالى: {وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ}، وقول الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}، وقول الله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ * وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}، وقد مررت بالقرآن الكريم على الآيات التي تحث على الصبر منها قول الله تعالى في سورة لقمان: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}، وقول الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}.. فانظر ما أجمل التعبير بصيغة المبالغة (صبار)، بعد عشرين يوماً خرجت من المشفى ورغم أن السيارة التي نقلتني سيارة مريحة أمريكية الصنع إلا أنني كشفت أن شوارعنا بحالة يرثى لها من حيث السفلتة، حيث التشققات والحفر، حيث كان ابني يسير بسرعة بطيئة لا تتجاوز الثلاثين كيلو متراً فكانت تزعجني هذه الحفر المنتشرة بهذه الشوارع، حيث رجلي المكسورة ومع ذلك كنت أقول له (على مهلك) أعتقد أنه لن يكشف عيوب شوارعنا إلا صاحب الرجل المكسورة وأتمنى أن تشملها صيانة سريعة سلّمكم الله من كل مكروه.