نحن الإذاعيين نعد الإذاعة هي بيتنا الثاني، حيث نجد فيها الراحة، ونحقق ذاتنا عندما نقوم بالتنقل بين المكاتب والاستوديوهات، نستفيد من الزملاء، ومن خبراتهم وتجاربهم، ونمارس عملنا المتجدد الذي لا يعتريه الملل ولا الروتين -بفضل الله تعالى. فالمذيع، إما أن يقوم بإعداد برنامج، أو أن يقرأ نشرة، أو يجهز مادة إذاعية، أو يسمع شريطاً. ولي ذكريات كثيرة مع العمل الإذاعي لا تكاد تمحى من الذاكرة.
والذي دفعني لكتابة هذا المقال، أنني كنت في مكتبي -قبل أيام- أقلب بعض أوراقي، فوقع في يدي كارت إذاعي قديم جداً، سجلت فيه إسمين لاثنين من مهندسي الإذاعة الذين عملت معهم مدة طويلة، أولهما المهندس سعد عبدالعزيز خميس الحجي، وهو علم ومهندس إذاعي، ذكرياته معي تكتب بماء الذهب، عملنا سوياً على مدار حوالي (25) عاماً، حيث أشرف على برامجي وتسجيلاتي الإذاعية، وخصوصاً برنامج (نور على الدرب). وكان -وفقه الله- مخلصاً في عمله، مبدعاً فيه، مجتهداً في كل ما يسند إليه من أعمال، ويكفيه -دعاء العلامة سماحة الشيخ/ ابن باز -رحمه الله- له، حيث سألني يوماً فقال: يا عبدالكريم، من القائم على حلقاتي في هذا البرنامج؟ فقلت له: إنه زميلي/ سعد خميس يا سماحة الشيخ، فأطرق -رحمه الله- برأسه وقال: سعد هذا الله يسعده في الدنيا والآخرة. حيث كان -أقصد سعد خميس- يهتم بتحسين الصوت وتنقيته. وكان الزميل سعد محباً من الزملاء، ودوداً، متواضعاً، لا يتبرم من العمل، ولا يتضايق عند زيادة ساعات العمل، منضبطاً لا يتأخر، ولا يسوّف، محتسباً للأجر من الله تعالى. وقد أحبه العلماء لسعة صدره وحسن خلقه، ومنهم -إضافة إلى العلامة ابن باز- سماحة الشيخ العلامة محمد بن عثيمين -رحمه الله- نظراً لأنه كان يشرف كذلك على تسجيل حلقات برنامج الشيخ (سؤال على الهاتف). حفظك الله يا سعد خميس، وأعطاك من الأجر ما تمنيت وأكثر.
والزميل الثاني الذي أتحدث عنه هو المهندس الإذاعي حمد بن محمد الوابلي، وهو الذي عمل معي بعد سعد خميس، وكنت كلما شاهدته تذكرت حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الحياء لا يأتي إلا بخير»، نظراً لأنه كان شديد الحياء، محباً للعمل وللزملاء، لا يقل حرصاً عن زميله سعد خميس الذي أنابه عنه بعد أن كثرت مشغولياته ومسؤولياته، وكلف بالإشراف الهندسي، وكان حمد خير خلف لخير سلف، عملت معه أجمل ساعات عملي الإذاعي، فهو يريحك، ويقدرك، رقيق المشاعر، مرهف الحس، شديد الحياء، محبوب من الزملاء والعلماء. ولا شك أنه كان من فضل الله على أن أعمل مع هذين الزميلين.
كان هذان الزميلان محبين لعملهما الإعلامي، مخلصين فيه، حريصين على أوقات العمل، لا يتطرق إليهما الملل، يعرفان أقدار وحقوق العلماء الذين سجلت معهم البرامج المختلفة (نور على الدرب) و(سؤال على الهاتف) وغيرهما.
أتقابل معهما من حين لآخر، فنتحادث، ونتذاكر عملنا المشترك في الماضي، ويدعو كل منا للآخر، فهي محبة في الله قبل كل شيء، ونسأل الله أن يديمها خالصة لوجهه الكريم.