الكثير يجهل قيمة العلاقة الحميمة على المستوى الأسري، وعلى المستوى الاجتماعي، بل لا يعطونها أيّ اعتبار في توثيق العلاقات المختلفة في حياتهم، مما يسبب خللاً قوياً يظهر بشكل متوارث حتى في تربية الأطفال، وفي التعامل مع مشكلات الأبناء، واحتواء تقلبات المراهقين مستقبلاً! فالعلاقة الحميمة تقوم على الودّ والمحبة وتنبع من قلب يتمتع بالسكينة والرضى بماحوله، فهو حاجة أساسية لبناء نفسي مستقر، وتقوم على قبول الذات قبولاً معتدلاً بعيداً عن حب الذات، وذلك من أجل قبول الآخر بكل الرضى. ولكن للأسف الشديد هناك من يتحفظ على تلك العلاقة الحميمة مثلاً مع أبنائه أو مع زوجته، أو مع المقربين له من أصدقائه أو زملائه في العمل! ويرى أن الرسمية تحفظ له مكانته الأبوية بين أفراد أسرته، وأن التحفظ في عواطفه مع أهله سيعطيه مكانة أكبر ويكون مرغوباً لديهم! وأن الودّ الذي قد يظهره لأصدقائه أو زملائه في محيط العمل قد يقلل من نظرة الآخرين له!، لكنه لا يعلم بأن الحميمية في العلاقات مع الآخرين باختلاف درجة القرابة سوف تشجع الشخص الآخر ليكون حميماً أيضاً، ويكون واضحاً في مشاعره معه! ومن أهم العلاقات التي تحتاج للعلاقة الحميمة «هي العلاقات الأسرية» لأنها سلاح ذو حدين في أثرها النفسي والسلوكي والعقلي أيضاً على الأطفال من مرحلتهم العمرية المبكرة حتى ما بعد البلوغ. فهذه المرحلة هي المحك لظهور الأعراض المرضية للشخصية المضطربة، أو ظهور تلك العلامات الدالة على شخصية مستقرة وسوية وتعيش حياتها بأمان وسلام. والسبب هو نوعية التعامل المتفق أو المختلف عليه من قبل الأبوين مع أطفالهما! وهذه الخطورة قد لا يدركها الكثير من الأبوين عندما يكون التناقض واضحاً بينهما في أسلوبهما التربوي المتأرجح ما بين الشدة القاسية وبين العاطفة المتناهية في التدليل الزائد! فهذا الأسلوب المتناقض ما بين شخصيتين هامتين في تشكيل الشخصية توقع الأبناء في صراع عاطفي مستمر وتؤثر على استقرارهم النفسي وفي ثبات القيم لديهم! وقد تدفعهم إلى البحث عن البديل خارج نطاق الأسرة، ذلك البديل الذي قد يستغلهم أسوأ استغلال! ذلك البديل الذي قد يدفعهم لإرضاء رغباته قبل رغباتهم! ذلك البديل الذي قد يحركهم لتحقيق أهدافه التي غالباً تكون خارجة عن القانون! ذلك البديل الذي يتخلى عنهم وقت السقوط في أيّ لحظة وهم بعيدين عن تلك الأسرة التي لم تحسن تربيتهم ولم تشعرهم بالأمان الاطفي منذ صغرهم! لذلك لا تقللوا من شأن العلاقة الحميمة في حياتكم عامة لأنها تمنحكم الطاقة الإيجابية والعدالة في التعامل مع الآخرين، وخاصة مع أبنائكم لأن مسؤوليتكم عظيمة كآباء وأمهات لحمايتهم من الطوفان من حولهم والذي قد يبدأ بكلمة حب بسيطة تشعرهم بالأمان العاطفي وتحميهم من التشتت النفسي الذي لا قرار له.
moudy_z@hotmail.com