وكأن التاريخَ يعيدُ نفسَه... المتتبع لتاريخ مجمل الثورات التي حدثت على مر العصور... تُفزعُه حقيقة مرة أثبتتها الوقائعُ الموثقة في سجل تاريخ شعوب العالم منذ الأزل... مفادُها أن غالبية الثورات والصراعات... التي هزت المجتمعات على اختلاف لغاتِها وأجناسِها وثقافاتِها وأديانِها... وتباينِ الزمانِ والمكان توضح أن هناك ترابطاً فلسفياً تاريخياً يربط بين كل تلك الثورات الإنسانية.. أما فلسفة الترابط فتكمن في أنها جميعاً انطلقت من طريقٍ واحد وإِنْ افترقت بها السبلُ والدروب واختلفت أنماط الشعوب..
وَوُلِدتْ من رحمٍ واحد رحمِ المعاناة والظلم والاستبداد.. فاندفعت رغم الاختلافات المتباينة وعبر مختلف الأزمنة والأمكنة وطرقت أبواب المخاطرة.. بعد أن استيقظت من مرحلةِ سباتٍ وصمت إلى مرحلةِ فعلٍ ومواجهة لأنظمةٍ ديكتاتورية أثقلت كاهل شعوبها لعقودٍ من الزمن.
ومن يقرأ التاريخ يلحظ ذلك الكم الهائل من سيرة أولئك الطغاة والمستبدين الذين تعاظم جنونُهم... فاستأصلت أنظمتُهم حق شعوبهم في حرية الاختيار وصناعة القرار... استأصلت الفكر والرأي فباتت تلك الشعوب لا تردد إلا ما تردده تلك الأنظمة مسحت كل التيارات المغايرة له من الخارطة الثقافية والسياسية والاجتماعية وحكمت شعوبها بقبضةٍ من حديد.. لكن جنون العظمة وغرور القوة ونشوة الظلم لابد لها من نهاية.
ومن خلال قراءتي لتاريخ أشهر الحكام الطغاة في التاريخ الإنساني على مر العصور... استوقفتني سيرة حياة الإمبراطور الروماني [كاليجولا]... طاغية تميزت شخصيتُه بالوحشية والجنون والسادية... ويبدو أنه ورث هذه الجينات الوحشية من الإمبراطور الشهير [نيرون] الذي أحرق روما نظراً لصلة القرابة به من جهة الأم.
تروي كتب التاريخ أن [كاليجولا] كان نموذجاً للقسوة المجسدة في الشر والاستبداد وجنون العظمة التي استباحت له القتل لأفراد شعبه وله عبارة في ذلك يرددها هي [غريب.. إني إِنْ لم أقتل أشعر بأني وحيد] لكن من الظواهر المضحكة والمبكية في حياة هذا الطاغية... أنه عندما شعر بقوته وأن كل أمور الحياة بيديه ورأى أن تاريخ حكمه يخلو من المجاعات والأوبئة فلن تذكره الأجيال القادمة... أحدث بنفسه مجاعة في روما... حيث أغلق مخازن الغلال حتى تحل كارثة وبالتالي يجعل هذه الكارثة تقف بأمرٍ منه... وظل يستمتع ويتلذذ برؤية أهل روما وهم يتضورون جوعاً بسبب غلقه لمخازن الغلال.
أما نهاية هذا الطاغية... فتقول الروايات إنه عندما دخل مجلس الشيوخ ممتطياً جواده أبدى أحدُهم امتعاضه فاعترض على هذا السلوك فقال له [كاليجولا] أنا لا أدري لماذا أبدى هذا العضو ملاحظة على دخول جوادي المحترم يكفي أنه يحملني فهتفت وصفقت له حاشيته خوفاً منه... فانتشى وازداد غروراً وجنوناً في العظمة... وأصدر قراراً بتعيين جواده عضواً في مجلس الشيوخ.. وأقام حفلة بمناسبة تعيين جواده المحترم.. وحضر أعضاء المجلس بملابسهم الرسمية لكن المفاجئة الغريبة أن المأدبة كانت أطباقاً من التبن والشعير.. ومع ذلك أذعن الجميع للأكل خوفاً ورهبة من هذا الطاغية إلا واحد صرخ وثار في وجه [كاليجولا] قائلاً: إلى متى يا أشراف روما نخضع لجبروت هذا الظالم المستبد ثم قذف حذاءه في وجهه مردداً افعلوا مثلي فدارت معركة بالأطباق انتهت بتجمع الأعضاء والحاشية والأعوان على هذا الطاغية فقضوا عليه.
المزيد من الطغيان والاستبداد يولد الانفجار وهذا ما جسده واقع بعض الشعوب العربية.. ويبدو أن أنظمة هذه الشعوب تدور في فلكٍ معاكسٍ لحركةِ التاريخ... فرغم أننا نعيش في عصر انكشاف الحقائق واضمحلال الأسرار.. إلا أن هذه الأنظمة تأبى الرضوخ لهذه المعادلة وتصر على الاستمرار... مسجلة بذلك صحائفَ تاريخية تعجُ بأنواع الإجرام.. والرعب والاغتيال في وضح النهار... ناهيك عن الملاحقات ومصادرة العقول والأفكار... أنظمة لم تعد تؤمن بأن هناك نهاية لكل حي.. وبأن هناك يوماً تتقلب فيه الأبصار.
ورغم اختلاف النهايات لطواغيت الاستبداد والديكتاتورية... إلا أنه وكما سقط وانتهى طاغية روما [كاليجولا] سقط وانتهى صاحب الألقاب الأكثر بدائية واتصالاً بالمجاهل والأدغال الإفريقية من سمى نفسه بملك ملوك إفريقيا... رئيس ليبيا السابق معمر القذافي الذي وصف شعبه بالجرذان فكانت نهايتُه ذعراً وفراراً وملاحقة حتى قُبِض عليه مختبئا في مساكن الجرذان قبل أن يهلك على أيدي الثوار.
أيُ لذةٍ وسعادةٍ وراحة تبقى في نفوس الشعوب... عندما يلجأ الطغاة إلى مصادرة كل تفاصيل الحياة حتى الأحلام والأماني لم تسلم... الثمن سيكون باهظاً للنظام الديكتاتوري السوري المستأسد على شعبه إن استمر في خداع نفسه... وعاش في ظل أوهامه ولم يستجب للمطالب الدولية. وإذا كانت النهايات لا تتساوى... لأن لكل نهاية صيغة وكيفية... فكيف ترى ستكون نهاية طاغية سوريا...؟