|
القاص مشعل العبدلي جمع العديد من القصص القصيرة في كتابه «رسام الحي» ويقول في إحدى القصص: (يالله على بابك، ولا خاب طلابك).
عبارة مغرقة في الإيمان، يفتتح بها أبي نهاره الطويل مع ساعات الفجر الباكرة وكنت أصحبه في رحلته الصباحية إلى حيث تتوزع الأرزاق -كما يقول- وعمري لا يتجاوز العاشرة، وكنت أغالب عيني المتعبتين بعد كل ليلة مليئة بعد النجوم لأصحو على أصوات غليظة جداً للجلابة وباعة السوق ودلالي سوق الأغنام تلك الأصوات التي تتقاذف أذني المرهفتين وتتداخل مع أصوات الخراف في موسيقى تعودت على سماعها صبيحة كل يوم من أيام عطلتي الدراسية.
يبدأ أبي رحلته اليومية لاستجداء مشترين، ولم يكن يعرض خرافه بأسعار باهظة مثل ذلك المسن الجشع الذي يعرض بجانبنا ورغم ذلك لا يأتي المشترون.
وكان يعامل خرافه بطريقة رحيمة ويطعمها ويلاطفها كما يفعل معنا وكان لا يبيع إلا الخراف المؤذية للبقية أو هكذا كان يبدو لي وأتذكر بحزن أنه عرض ذات يوم ما كنت أظنه خروفي لا لشيء إلا لأنه نطحني وأرقدني في المستشفى خمسة أيام، باعه بأبخس الأثمان وأذكر أنني عندما شفيت من أثر النطحة حزنت كثيراً وبكيت لفراق خروف مشاكس كان يملأ ساعات ضجري عندما كنت أقضي نهار عطلتي الصيفية وحيداً حارساً أو مرافقاً أو متعلماً للصنعة!
كان السوق عمل أبي الوحيد بعد أن أحاله حادث مشؤوم على التقاعد من الخدمة العسكرية ولتتحول مشيته العسكرية الصرفة إلى مشية تشوبها عرجة كما حرمه المشاركة في حرب تمنى خوضها، غير أنه بدأ من جديد حرباً من نوع آخر، حرباً من أجل رزق لا يتوزع إلا في الصباح الباكر.