|
أواصل الحديث عن أسباب الأخطاء الطبية وكيفية وقوعها لأننا إذا تعرفنا على الأسباب بشكل علمي ومنطقي أمكن لنا معالجة الأسباب وبالتالي التقليل من الأخطاء كما قلت سابقاً فإن معظم شكاوى المرضى في المملكة هي ضد أقسام النساء والولادة حيث تصل النسبة حوالي 47% والبقية موزعة على أقسام أخرى.
والأسباب كما ذكرت سابقاً هي كثيرة و متعددة وذكرت في حلقات سابقة بعضاً منها ولكنني هنا سوف أتطرق إلى شيء حدث في مستشفيات المملكة وهو جديد على مجتمعنا ألا وهو سرقة الأطفال المواليد من أقسام الحضانة بالمستشفيات، فكما يعرف الجميع بعد الولادة يؤخذ المولود ويوضع في قسم الحضانة وتقوم الممرضات بهذا القسم بالاعتناء بهؤلاء المواليد لحين تحسن الأم وخروجها من المستشفى وتراه الأم في أوقات محددة للرضاعة بشكل رئيسي، وما حدث في بعض هذه الأقسام أخيراً وأحدث ضجة إعلامية كبيرة، وفي اعتقادي أن السبب وراء ذلك الإهمال هو إداري بنسبة 100% ويحدث هذا في هذه الأقسام نتيجة العوامل التالية:
1- قلة الممرضات في هذا القسم أو أخذهن للعمل في أقسام أخرى لتغطية النقص، وبالتالي يسهل على من يريد أن يسرق مولوداً تنفيذ ذلك.
2- قلة الإداريين في هذا القسم فيفترض أن يكون هناك إداريون كافون للتأكد من هوية أي شخص بأتي لهذه الوحدة وإنه هو الوالد أو القريب بالفعل.
3- قلة أفراد الأمن في هذه الوحدة، ومن أقسام المستشفى المختلفة وقلة خبرتهم فإن أمن المستشفيات يحتاج إلى تدريب خاص وهذا نفتقده تماماً في مستشفياتنا.
4- عدم الاهتمام بهذه الأقسام وأمنها فهي أقسام تكون سهلة الوصول إليها من قبل أي شخص ويسهل الخروج منها وهي غالباً غير مؤمنة بأقفال إلكترونية لا تسمح بدخول أحد إليها إلا من خلال بطاقة أمنية خاصة أو عن طريق البصمة، ويفترض أن لا يسمح حتى للعاملين بالمستشفى بدخولها إلا للأشخاص المصرح لهم بذلك.
5- الثقة الكبيرة التي تتمتع بها في مجتمعنا فيأتي شخص ما يدعي أنه الأب أو الأم وتكون هناك ممرضة لا حول لها ولا قوة ويأخذ الطفل أو الطفلة على أساس أنه سوف يريها لأقربائه ويختفي بعد ذلك.
6- عدم وجود كاميرات مراقبة في جميع أقسام المستشفى وهذا القسم خاصة ومتابعة من قبل جهاز أمن طوال 24 ساعة وأعتقد أن كل هذه الأسباب التي ذكرتها آنفاً هي أسباب إدارية بحتة يمكن علاجها من قبل إدارة المستشفى.
ولكن نظراً للنقص الكبير في عدد العاملين من ممرضات وإداريين وأمنيين يتم إهمال مراقبة هذه المتطلبات، ولو تم تطبيقها في جميع المستشفيات فربما تم قفل كثير من هذه الأقسام.
وبدلاً من التركيز على حل هذه المشكلات بمعالجة أسبابها إلا إننا فوجئنا بشركات تستورد أجهزة بمبالغ خيالية لحل المشكلة بدلاً من الحلول المنطقية الفعلية والتي تعود على المستشفى بصفة عامة بالفائدة.
إن الخدمة الطبية المميزة أصبحت مكلفة للغاية وتزداد هذه التكلفة يوماً بعد يوم ولذا فعلى الناس عموماً أن يعرفوا أن جودة الخدمة يمكن أن تتأثر إذا كان المطلوب هو الكم وليس الكيف، فالأجهزة الطبية المتقدمة يمكن شراؤها إذا ما تم توفير الميزانيات لذلك ولكن توفير الطاقات البشرية لتشغيل هذه الأجهزة صعب ومستحيل في بعض الأحيان نظراً لقلة المتخصصين وعدم قبولهم للعرض المقدم حتى لو كان مجزيًا، وسوف أسوق مثالاً قد لا يرغب في سماعه بعض الإخوة القراء، فجهاز مثل الأشعة المقطعية (CT) أو جهاز الرنين المغناطيسي (MRI) لا يمكن أن نطالب به في أن يكون في كل مستشفى مهما كان صغيراً أو في مناطق نائية أو قرى صغيرة والسبب هنا ليس للتوفير المالي أو عدم توفر ميزانيات لذلك، ولكننا سوف نتسبب في كثير من الأخطاء الطبية نظراً للأخطاء التي سوف تحدث في التشخيص وعلى ضوئها العلاج، إن الجهاز يمكن توفيره ولكننها لن نوجد الطاقم الطبي والفني المؤهل والقادر على تشغيل مثل هذا الجهاز، والحل لذلك هو توحيد مثل هذه الأقسام في المستشفيات الكبيرة في المدن والمناطق وبالتالي يتم تحويل المرضى الذين يحتاجون لمثل هذه الفحوصات لهذه الأقسام لعملها وهذا هو الإجراء المتبع في أكثر الدول المتقدمة طبياً، ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال تتوزع هذه الأجهزة في المستشفيات حتى أن بعضاً من المستشفيات الكبيرة لا يملك إحداها فيرسل مرضاه إلى مستشفى آخر لعملها، ولكن ذلك يتطلب مواصلات جيدة وآمنة يتم توفيرها من قبل المستشفى نفسه، ولا يتحمل المريض تكاليف ذلك.
إن مثل هذه الأجهزة تحتاج إلى فريق طبي مؤهل وفنيين متخصصين، والمتخصصون في هذا المجال هم قلة ويجدون فرصا للعمل بمبالغ مجزية وفي مستشفيات كبيرة ولن يقبلوا بالعمل في مناطق وقرى صغيرة ومستشفيات صغيرة وعدد المرضى فيها محدود.. لذا فإن مطالبات الأهالي في القرى والهجر بتوفير جميع الأجهزة في مستشفياتهم الصغيرة هو طلب غير عملي ولا منطقي وفيه مضيعة للجهد والمال والوقت ومدعاة لحدوث الأخطاء الطبية.
وإلى اللقاء..
"يتبع غداً"
للتواصل: azizessa262@gmail.com