ما زالت مجتمعاتنا العربية تعيش حمى الأحلام الساخنة، والرؤى المنامية، في كل وقت وفي كل مكان، مع كل حدث وواقعة لها، بإغراء إعلامي وتجاري لم يسبق له نظير في التاريخ.. تحدث وتكلم أهل العلم والتربية والإصلاح عن هذا الغلو المتفشي في مجتمعنا، والاهتمام الزائد عند الكثير حيال الرؤى والأحلام، والتكسب منها شهرة أو مالاً، فسعى الجميع لتهذيبه دون محاربته وإلغائه.
وهذا ما يقودني ويلزمني أن أسطر إعجابي وامتناني لما طرحه فضيلة الشيخ الدكتور المبدع والمتألق والفصيح والبليغ كعادته في طرحه المعتدل المتزن (عبد الرحمن السديس) (إمام وخطيب المسجد الحرام الشريف) -حفظه الله ووقاه.. في خطبة الجمعة الماضية 19-2-1433هـ، والتي تلخصت خطبة فضيلته في محاور من أهمها:
أ - (خطورة انتشار ظاهرة تعبير الرؤى والمتاجرة فيها دون علم وبصيرة).. قلت: وهذا صحيح انظروا وتأملوا ما تحمله جوالاتكم أو جوالات من حولكم من أسماء كثيرة جلها مجهولة لا تعلم، وشباب صغار في السن قليلو علم يفتون في هذا العلم دون دراية وعلم.
(ب)- طالب فضيلته بمظلة علمية شرعية معتبرة تتولى الإشراف على هذه القضية لتميز الأكفياء عن الأدعياء حفاظاً لبيضة الدين، وحراسة للملة والديانة، وسمواً بعقول أبناء الأمة.. وهذا أؤيده بقوة، وأضم صوتي لصوت فضيلته في ذلك، وسبق أن طرحت مثل هذا في أكثر من مقالة كتبتها، إذ لو تضافرت الجهود من أهل الخير وطلاب العلم لتهذيب هذا العلم النفيس لمعرفة فن التعامل مع الرؤى والأحلام وكيف الطريق الشرعي لها لكان في ذلك خير عظيم!
(جـ)- دعا فضيلته الإعلام لرقي لبناء الفرد، والرقي بالأمم والنهوض بواقعها، وليس بأحلام النائمين، وأوهام الحالمين، إذ إن الشريعة قصدت إلى حفظ الدين، والسمو بالعقول والأفهام، ونأت بأتباعها عن مسلك الأضاليل.
قلت: ما زال هناك برامج إعلامية تبث بالليل والنهار، في عصرنا الذي يصخب بالفضائيات لبعض المعبرين، الذين سلكوا بالسائل عن رؤياه للهم والغم والمرض والقلق بالعين والحسد والسحر واتهام الآخرين ونواياهم وخلط الغث والسمين في هذا العلم الذي كثر فيه الدخلاء المفلسون.. مع احترامي للمعتدلين الناصحين الأمناء.. إذ قال فضيلته في خطبته: (تصدر لهذا العلم العويص الغيبي، والفن اللطيف السني ثلة من العابرين.. فعبروا المرائي على ما يسر الرائي وفق الحدس والأهواء، دون ريث أو إبطاء، فكم من أضغاث الأحلام تبنى على الخيالات والأوهام، فتهدم الحقائق وتفكك أوثق العلائق..- وسماها- تعابير جانحة.. وتفسيرات كالحة).
في الأخير أحبتي: خلاصة الخطبة لخصها فضيلته بهذا التساؤل للجميع: (علام اللهاث صوب العابرين، فما كانت الأحلام أبداً وقط عوضاً لارتقاب النبوغ والإبداع، وترادف النعم والإمراع، أو جلب الحظوظ والسعادة والمنازل العلية والسيادة، ولو أن الأسلاف الأخيار تكأكؤوا على هذا المهيع، وشغلوا بها مدنهم وبواديهم ومجتمعاتهم ونواديهم - على ما أنتم عليه - لما حققوا نصراً، ولما فتحوا مصراً، ولا بلغوا كمالاً ولا جلالاً، فكيف تريدون نكوصاً عنهم واختلالاً وهم الذين عاصروا التنزيل وشهدوا التأويل). هذا هو الحق والصواب أحبتي.. فالرؤيا تسر المؤمن ولا تضره إن لم يسأل عنها وهدي النبي صلى الله عليه وسلم واضح يكفينا في التعامل مع الرؤى الصالحة أو حتى الأحلام الشيطانية والكوابيس المنامية.. نصيحتي لكم جميعاً أحبتي الرجوع للخطبة ومعاودة الاستماع لها وهي محفوظة في: (الشبكة العنكبوتية)، تحمل فوائد ودرر وحكم ووصايا غالية كصاحبها,, وفقنا الله وإياكم للحسنى وزادنا حرصاً وطاعة وتقوى.
* الرياض