تؤدي معلمة محو الأمية عملها في مدة زمنية لا تتجاوز الثلاث ساعات يوميا, لكنها خلال تلك الساعات التي يراها البعض قليلة تقدم عملا جبارا مجهدا يتطلب منها الصبر والحلم والأناة وسعة البال والقدرة على التماسك وضبط الأعصاب, وإذا كانت المعلمة في مدارس البنات الصباحية تتعامل مع طالبات صغيرات سريعات الفهم ينفذن ما يطلب من واجبات وحفظ ومذاكرة دون تردد وبفاعلية تساعد المعلمة على العطاء بصورة أكبر, فإن معلمة محو الأمية تتعامل مع كبيرات في السن بطيئات الفهم قليلات الحفظ يعانين مشكلات في السمع والنظر وعدم تقبل كلمة»لا», لذلك تنغرس معلمة محو الأمية في معاناة صعبة تصورها، كما سأعرضها، إحدى معلمات محو الأمية في رسالة تعقيبية طويلة على مقالي «معلمات محو الأمية وعقد الإعدام» حاولت اقتطاع أجزاء منها، تقول «المعلمة منا ما تقدر تلحق من كثرة أسئلة الدارسات وحتى نتصور هذه المعاناة إليك صور واقعية منها: يا أبلا تعالي طلعي دفتر مادتك من بين دفاتري، يا أبلا هذا دفتر مادتك وإلا أنا مخربطة بالدفاتر..، يا أبلا هذا اللي بالسبورة وين أكتبه..، ياأبلا هالكلمة أكتبها هنا وإلا هنا..، يا أبلا الصفحة ما تكفي وباقي كلمة وين أكتبها..، يا أبلا ما هو لازم أكتبها ما لها مكان..، يا أبلا وش هالكلمة اللي بالسبورة عجزت أقراها..،يا أبلا هذي نقطه وإلا نقطتين..،يا أبلا تعالي افتحي كتابي على الدرس ضيعته..، يا أبلا حددي على صفحة الدرس من شأن ما أضيعها بالبيت..،يا أبلا وش أحفظ، يا أبلا وش الواجب، يا أبلا وين أكتب الواجب، يا أبلا لا تكثرين الإملاء علينا ما عندي وقت أذاكر بالبيت..،يا أبلا أنا أبي أغيب بكرا..،يا أبلا أنا غايبة أمس أبيك تعيدين الدرس من جديد..، يا أبلا ما عندي أحد يحفظني وريني وش أحفظ؟
هذا عدا ما تبذله المعلمة لإقناع الكبيرة لتذاكر وتحفظ وتحل الواجبات, ومطلوب من المعلمة أو»الأبله»كما يسمونها أن تأتي للمدرسة المسائية مبتسمة متفائلة متناسية لهمومها ومشاكلها لتتعامل مع كبيرات سن حساسات يحتجن للمداراة وتطييب الخواطر».
رسالة المعلمة التي عرضت أجزاء منها بتصرف تحكى معاناة معلمات هذا النوع من التعليم وهو تعليم الكبيرات، فالدارسة الكبيرة سيدة في مجتمعها وأم تعودت من كل من حولها خدمتها وإجابة طلباتها واحترامها , وهي تنظر للمعلمة على أنها إحدى بناتها, وعليها واجب الطاعة المطلقة والتفرغ التام للإجابة عن أسئلتها وتعديل أخطائها وكتابة عناوين الواجبات في المذكرة, وهنا يتحول دور المعلمة من مرشدة وموجهة من حقها أن تفرض النظام والانضباط على الدارسات وتطبيق مبادئ الثواب والعقاب إلى ابنة حنونة لطيفة مبتسمة مرحة تقدم كل الخدمات للأم، والصعوبة أن المعلمة لا تتعامل مع أم واحدة وإنما مع مجموعة من الأمهات اللاتي يفتقدن لأي نوع من المهارة, وبحكم السن فإنهن من المؤكد يعانين من صعوبة الفهم وكثرة النسيان وانشغال أذهانهن بأسرهن وأزواجهن وأبنائهن وبيوتهن وظروف الحياة الصعبة لبعضهن.
معلمات محو الأمية يتحملن هذه المعاناة وليس لديهن مانع لبذل المزيد وتحمل المعاناة مضاعفة، بل إن بعضهن يعتبرن ذلك واجبا وطنيا محضا حيال مجتمعهن, لكن شريطة أن تبادر وزارة التربية والتعليم بتثبيتهن إنفاذا للأمر الملكي الكريم فلم يعد لديهن صبر، خاصة وأن معظمهن قد أمضين سنوات طويلة في الخدمة.
shlash2010@hotmail.comتويتر abdulrahman_15