- بقيت «إرادةُ القوة» - كما عنونها «نيتشة» لكتابه الأشهر - الخطَّ الموازيَ لإرادةِ النظام والأخلاق، ومثلما ينتصر «المثاليون» لقيمهم يُصرُّ «السلطويون» على واقعيةِ منطقهم، ولن يقف الجدلُ ما دام الكونُ مسكونًا بمن يعدو به جمال الحياة ومن يعتدي عليها.
- لا يتصل الأمر هنا بموازين السياسة التي فجرت الأنظمة «التوتاليتارية» التي بشرت بها فلسفة القوة - كما نظّر لها شوبنهاور وتلميذه المخلص نيتشة، وتوارت - من أنظمة الحكم - تأثيرات النظرية الإنسانيةِ التي تأمر بالعدل والإحسان؛ فما واجهته الأمة - على مدى قرون- كفيلٌ بجعلنا مقتنعين ألا أخلاق في السياسة أو عند الساسة إلا ما ومن رحم ربي.
- لهم عوالمهم كما للوسط الاجتماعي والثقافي عوالمُه؛ وفيهما الصراع المحتدُّ بين من ينتصرون للقوة ومن يستضيئون بالمثالية، وبينهما جماهير حائرةٌ بين علو الصوت والتلويح بالسوط وبين من تتجذر في نفوسهم معاني الحب والتسامح وتغليب حسن الظن وتعلية قيم الإصلاح الهادئ.
- لا معنى لاستفهام مَنْ سيطر على مَنْ؛ فالضجيجُ الذي يُصمُّ آذاننا كافٍ لتحديدِ المسار شبه الإجباري الذي تحولت نحوه بقية المسارات الفرعية حتى لا نكاد نجد غيرَ الوجوه الغاضبة والألسنة الحِداد والتهم الجاهزة، وصار من الأجدى بث حواراتهم حين ينام الأطفال والشيوخ «بعد منتصف الليل»؛ فهي لا تصلح نموذجًا للشداة، مثلما تؤذي الكبار.
- كذا يحيا الوسط الذي يفترض فيه المثالية؛ فلم تعد المناظرات بحثًا عن الحقيقة الغائبة أو التائهة بين مجموعة حقائق ذات قيمةٍ واحدة وكلٌ يدعي وصلا بها، والأمر مقبول لو تفهمنا الحدود المعنويةَ المرنة التي تقبل منطق الصواب والخطأ ونظرية الفرضية والإثبات، لكن الممارسةَ المُعاشةَ تقفز فوق المقدمات نحو النتائج ولا تؤمن بلغة الاختبار والاختيار.
- قد تكون الفضائياتُ الباحثة عن التسويق سببًا في تسخين الأجواء، لكنها لم تعد وحدها؛ فوسائطُ التواصل الاجتماعي والصحافةُ الورقية والرقمية لا تستطيع النأي عن الجو المشتعل؛ ما جعلنا مهمومين بما قاله هذا وما أجاب عنه ذاك.
- توغلت الأدلجة والبرمجة والنوايا المعتمةُ حتى باتت خطرًا على النشء الذين يُفترض تحصينُهم بلقاحٍ واق ضدَّ السباب واللجاج والاتهامات كيلا يأتي الغدُ إفرازًا تتشوه مبادئه ويتمترسُ رموزهم خلف ثقافةِ التخوين والتخويف.
- لن نتفاءل كثيرًا؛ فعالم الرياضةِ متشابهٌ في تفاصيله مع أجواء الثقافة، ولا عجبَ إن وجدنا الشارعَ محتقنًا بشبابٍ مستعدٍ للنزال عند أدنى احتكاك في الشارع والمدرسة والسوق، وربما عذرناهم؛ إذ «ينشأ ناشئُهم على ما كان عوده أبوهُ»، وآباؤهم هم المثقف المتوتر والواعظ الغاضب والكاتبُ الساخط والوسيلةُ الملوثة بالحقد والحسد والبغضاء.
- المرض عدوى.
ibrturkia@gmail.comt :@abohtoon