أمسك بي الشيخ من كتفي وهو يركض خلفي ليطرح سؤالا بصوت مرتفع: ألا تتفق معي يا أخي؟ فأجبت بلا تردد: لا!
صاح بي بعده شيخ آخر:
ألا تستمع إلى صوت الحق؟ فلم أجب ومضيت ويدي بيد زوجتي نواصل طوافنا حول الكعبة. إلا أن شيئا من الحنق والضيق أفسد علينا بعض روحانية المكان واللحظة.
لعل الشيخ أراد أن ينتقد إمساكي بيد زوجتي، أو عدم غطاء وجهها بالكامل، رغم أنها كانت ملثمة. فقبلها صاح بمعتمر هندي يطالبه أن يغطي ما بدا من يد زوجته. كيف لاحظ ذلك بوسط الزحام؟ كان شيخنا يقف بعكس اتجاه الطواف بعذر توزيع أكياس بلاستيكية على الطائفين ويناظر بعين الصقر كل يد ووجه أنثوي يمر به بحثا عن أي مخالفة شرعية ليلفت نظر صاحبها -وكل من حوله- إليها.
تخيلوا في هذا المكان المقدس الذي تحلق فيه القلوب والأرواح في تعبد وتبتل حتى تكاد تلحق ببارئها يتخصص رجل في مراقبة أجساد النساء بحثا عن مفاتن لم تستر باسم الدين وبدعوى النصح والإشاد.
ومثله هذا المحتسب من لاحق فتاة عربية ليوبخها على ارتداء البنطال الواسع تحت ردائها العريض، على طريقة إخوتنا الباكستانيين، ويصر عليها أن تعود من حيث أتت، وتغير لبسها قبل أن تدخل المسجد الحرام.
ومثله من لاحق إحداهن في المطاف ليستوقفها وسط تدافع الطائفين، ويناصحها في شأن طلاء الأظافر. كانت تحلق في حالة روحانية فاعادها إلى واقع قاس، وحول دموع الإيمان إلى دموع خوف وحرج وغضب.
أو مثل من تعودن تأنيب وتوبيخ الزائرات في الروضة الشريفة لأتفه الأسباب وبشكل مهين ومحرج، ومن كانت تذكرهن بمناسبة وبدون؛ إن صلاة المرأة في بيتها أولى.
إن مشكلتنا مع أهل الاحتساب العاملين منهم والمتطوعين ليست في مبدأ المناصحة والدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن في أسلوب التلصص على الناس والبحث عن عوراتهم وأخطائهم التي سترها الله، ثم كشفها للملأ، وإحراجهم بالقمع والتعنيف والتوبيخ. بدلا من سترها والتجاوز عمن لم يجاهر بها، ومجادلة من جاهر بالتي هي أحسن، كما وجهنا المولى عز وجل.
كما نطالبهم بالتزام التعليمات الصريحة لهم بعدم التعرض للعائلات لمجرد الاشتباه أو للتفتيش والتحقق من صلاتهم الأسرية، والاكتفاء بمتابعة المخالفات الصريحة التي تمس الحياء العام وأخلاقيات المجتمع، والتعامل مع الناس بالرفق وحسن الظن وطيب المعشر، فالهدف هو الإصلاح قبل العقاب، والدعوة إلى مكارم الأخلاق والتمسك بالدين للمسلمين، واحترام مشاعرهم لأصحاب الديانات الأخرى.
أشارك اليوم من تفاءلوا بتولي فضيلة الدكتور عبداللطيف آل الشيخ رئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر داعيا المولى عز وجل أن يكون عهده عهد أمر بالمعروف (بمعروف) ونهي عن المنكر (بلا منكر) - كما وعد حفظه الله- وأن يشد عضده بمن يوافقه ويسانده ويعينه.. إنه نعم المولى ونعم النصير.
kbatarfi@gmail.com